يتناول المؤلف في الكتاب معنى الديمقراطية ومؤسساتها، ويرصد جذورها التاريخية واتجاهاتها المعاصرة، ويتطرق إلى جميع المحطات التي ارتكبت فيها الديمقراطيات أخطاء في سياق التاريخ.
شهد تاريخ الديمقراطيات ثلاث مراحل اتسمت بثلاث نماذج حكم مختلفة:
1. الديمقراطية المجلسية:
ظهرت هذه الديمقراطية 500 سنة قبل الميلاد، وامتدت إلى العصور الوسطى:
- أثينا: نظر الأثينيون إلى الديمقراطية بوصفها نظاما لتأسيس إرادة الآلهة التي أعطتهم صلاحية ممارسة السلطات البشرية، واعتمدوها أسلوبا لتناوب المواطنين في المناصب الرسمية،
- شرق في غرب: تحولت الديمقراطية إلى العالم البيزنطي الذي مزج التقاليد القانونية الرومانية بعناصر من الثقافتين اليونانية والمسيحية ومهّد الطريق إلى "القرون الوسطى"،
- "الإسلام": قام بدور جوهري في بعث الديمقراطية وإعادة تعريفها بطريقة أخرى، أقل وضوحا ولكنها أبعد أثرا. كان للإسلام القدرة على تنظيم مجتمعات سياسية حيوية غير عابئ بالفوارق المتطرفة بين المال والسلطة. أقر المؤلف بأن الإسلام أثبت أنه نمط حياة جذاب
2. الديمقراطية التمثيلية:
ظهرت منذ 500 سنة في أوروبا وأمريكا، وتُعتبر هذه الديمقراطية مرحلة ثانية من تاريخها
لم يكن التغيير الذي حلّ بالديمقراطية تعبيرا عن "صعود البورجوازية" أو "صعود الليبرالية" كما في الاعتقاد الشائع خلال القرن 19 وبداية القرن العشرين.
كما اعتبر المؤلف أن الديمقراطية التمثيلية لقيطة وخلقها غير مقصود، تتوزع على عدة تجارب:
- "القرن الأمريكي": توسعت أساليب الديمقراطية غربا من خلال السعي للثراء لمصلحة رجال ونساء اعتبروا أنفسهم متساوين،
- "ديمقراطية الزعيم": نوع فريد من الديمقراطية التمثيلية في أمريكا الاسبانية ونمط منحرف من جمهورية أوليقارشية،
- "المقبرة الأوروبية": يذكر المؤلف في هذا القسم الأسباب التي جعلت أوروبا مقبرة للديمقراطية التمثيلية بعد أن كانت مولد النشأة للديمقراطية المجلسية بأشكالها المتعددة.
3. الديمقراطية الرقابية: وهي ديمقراطية اليوم حسب المؤلف
بعد سنة 1945، أُصيبت الديمقراطية بنكسات في أوقات مختلفة وأقاليم مختلفة، ولا سيما في الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.
يعتبر مفهوم الديمقراطية الرقابية أو التحذيرية، أبرز محاولة لتجاوز الديمقراطية التمثيلية ومعالجة مساوئها، وهي تتضمن آليات عدة لفحص ومراقبة الحكومة.
الديمقراطية الرقابية ملتزمة بتعزيز تأثير المواطن المتنوع على القرارات التي تؤثر في حياته، بغض النظر عن نتائج الانتخابات، كما تركز على مفردات فحص السلطة ومراقبتها والحد منها أكثر من تركيزها على الانتخابات.
في عصر الديمقراطية الرقابية حصل المزج بين الديمقراطية وحقوق الانسان، وبرزت أهمية الإعلام، وأهمية الانترنت، والمعلوماتية، وتنشيط دور المجتمع المدني. تؤدي الديمقراطية الرقابية الى توسيع مشاركة هيئات شعبية غير منتخبة في الحياة العامة وفي التعبير عن المواطنين.
تتلخص الديمقراطية الرقابية بوجود هيئات وآليات وأساليب غير منتخبة، كالصحافة ومنظمات المجتمع المدني وغيرها، قادرة على مراقبة الحكومة وفحصها وتقييدها وكشفها، إضافة إلى وجود المؤسسات التقليدية الثلاث التي تؤلف الديمقراطية التمثيلية (الاقتراع الدوري، البرلمان المنتخب، الحكومة المنتخبة).
لماذا الديمقراطية؟
الديمقراطية ليست سوى طريقة حياة محدودة جغرافيًا وزمنيا. الديمقراطية ميزة جغرافية وليست كونية، وهذا كل شيء، وقد رسم المؤلف سبع قواعد جديدة للتأريخ للديمقراطية:
1. التعامل مع ذكرى الماضي على أساس أنه حيوي لحاضر الديمقراطية ومستقبلها،
2. لغات الديمقراطية وشخصياتها وحوادثها ومؤسساتها ومفاعيلها تاريخية تمامًا لا تحدث بشكل طبيعي، ولا هبة إلهية، إنها معًا نتاج أزمنة وأماكن محددة،
3. الطرائق التي يُسرد الماضي بها، عبر المؤرخين والقادة والآخرين، هي فعل تاريخي لا يمكن تفاديه، ما يعني أن رواياتهم لتاريخ المؤسسات والأفكار والشخصيات والحوادث واللغات الديمقراطية، لها طبيعة عشوائية غير قابلة للاختزال ومقيدة بالوقت،
4. الأساليب الأكثر ملاءمةً للكتابة عن ماضي الديمقراطية وحاضرها ومستقبلها هي تلك التي تثير الانتباه مباشرة إلى الميزة الخصوصية لقواعدها (وقواعد الآخرين) في التأويل،
5. أغلبية تفصيلات تاريخ الديمقراطية، حتى وقت قريب جدًّا، كانت قد دوّنها منتقدوها، أو خصومها الصرحاء.