في مثل هذا اليوم لسنة خلت كتبت مقالا بعنوان : لماذا سكتنا عن التعذيب ؟ كان ذلك بمناسبة اطلاعي على فيديو نشره عزيز ابن القاضي البشير العكرمي يتحدث فيه عن الظروف القاسية التي يعيش فيها أبوه الموقوف ظلما وعدوانا. وكنت قبلها قد شاهدت حوارا مع السيد أحمد نجيب الشابي ذكر فيها من جملة الإيجابيات التي جاءت بها الثورة هي التخلي عن التعذيب كممارسة ضد الموقوفين والمساجين. وقد عجبت كيف يقول السيد أحمد نجيب الشابي ذلك وهو المحامي الذي يعرف أن التعريف القانوني للتعذيب لا يقتصر فقط على الإيذاء الجسدي المباشر بالضرب و الصعق والتعليق والاغتصاب وما شابهها، ذلك أن كل وسائل الإيذاء الجسدي الأخرى وكل وسائل الإرهاق البدني والنفسي تعد تعذيبا وكذلك كل ما من شأنه أن يحرم الموقوف أو المسجون من وسائل الراحة الطبيعية أو تناول الأدوية أو إجراء العمليات وما إلى ذلك يعد تعذيبا. للإسف منذ حوالي شهر الدمتور منصف المرزوقي أيضا ارتكب نفس الخطأ بالحديث عن توقف ممارسة التعذيب مع أن الواقع خلاف ذلك.
لم تتخل أجهزة الأمن ومصالح السجون عن ممارسة التعذيب عدا ما ذكرنا، بل حتى تلك الوسائل جرى استعمالها وإن لم يكن بصفة واسعة.
لم تدرك قوى الثورة وهي التي اكتوت بنار التعذيب الذي ذهب ضحيته العديد من الشهداء في مخافر الأمن ومراكز السجون، لم تدرك حساسية الموضوع ولم تجعله خطا أحمر لا يجوز التنازل عنه تحت أي ظرف من الظروف، بل إنها تغاضت عن الموضوع أحيانا، واعتبرت مجرد التوقف عن الضرب وانتزاع الاعترافات عن طريقه إنجازا!
أكتب هذه الكلمات وقد شاهدت حالة راشد الخياري الذي تركت الدولة المرض ينهش جسده مكتفية بالحد الأدنى ومصرة على الاحتفظ به في السجن حتى بعد انتهاء محكوميته، أكتب هذا والعديد من المساجين وعلى رأسهم الشيخ راشد موقوفون ظلما وعدوانا في ظروف لا تتوفر على الحد الأدنى الصحي وفي غرف عبارة عن أفران يقضون فيها صيفا قائضا بطبيعته. وكلنا تابعنا حالات الاعتداء الجسدي على بعض الموقوفين كالأستاذين نورالدين البحيري ومهدي زقروبة.
كيف تسكت المنظمات الحقوقية والمدنية والاحزاب السياسية عن هذه الانتهاكات؟
قد أتفهم عدم توحد الأحزاب والمنظمات في القضايا السياسية ولكنني لن أجد مبررا لتخليها عن الانتفاض لكل ما يمس حقوق الانسان وحرياته الفردية الأساسية وحرمته المعنوية والجسدية.
لنترك كل الجدالات الصاخبة الأخرى ولنقف صفا واحدا دفاعا عن الكرامة الانسانية ووقوفا صارما ضد ما يمس حرمة الانسان المعنوية والجسدية. وإن سكوتنا أمام ممارسة هذه الأنواع من التعذيب سيفتح الباب لوسائل التعذيب الأخرى التي كانت تمارس قبل الثورة.
يجب أن يكون وقوفنا ضد التعذيب مبدئيا وشاملا لا يخص فقط الموقوفين والمساجين السياسيين.
وليعلم من في جهاز الدولة أن التعذيب ممارسة مخالفة للقانون ومنتهكة لحقوق الانسان وأن جريمة مرتكبها لا تنقضي بالتقادم، وليس دونها حصانة ما، وأن الكل مسؤولون عنها بحسب التراتبية الإدارية ولن يفلت من عقوبتها لا رئيس الدولة ولا من دونه في صورة الإخلال بواجب التصدي لها ويعتبر الجميع شركاء في الجريمة.
تاريخ أول نشر 2024/9/7