search

الانقلاب وتداعياته (5) ... ملاحظات على خارطة طريق "المبادرة الديمقراطية"

أمسكت عن التعليق عن خارطة طريق المبادرة، وانخرطت في تأييدها والدعوة لفعاليتها غدا، انطلاقا من ضرورة توحيد الجهود، ودعم التحركات المناهضة للانفلاب، حتى وإن اشتركت معها في بعض ما تدعو إليه وليس كله.

كنت قد نشرت قبل انعقاد الندوة الصحفية للمبادرة الديمقراطية ما اطلقت عليه النسخة الثالثة من خارطة الطريق التي كنت عرضتها في صفحتي يوم 26 سبتمبر ... عدلت الخارطة ولكن بنودها الرئيسية بقيت كما هي وهي أساسا : عودة البرلمان لعقد جلسة واحدة، يتم فيها عزل الرئيس، والتصويت على القانون الانتخابي، والدعوة لانتخابات سابقة لأوانها في مدة لا تتجاوز 90 يوما، وتشكيل حكومة مصغرة لتصريف الأعمال.

وهي صيغة وإن لم تكن دستورية خالصة، إلا انها الأقرب للدستور، باعتبار أن تجاوز بعض ما يطلبه الدستور بخصوص عزل الرئيس، سببه عدم وجود المؤسسة التي يجعلها الدستور حكما وليس تجاوزها. أما عزل الرئيس أساسا، فمبرره خرقه الجلي للدستور بل اعتداؤه على الدستور والنظام السياسي، واليأس من إمكانية عودته للجادة وتراجعه عن قراراته الانقلابية.

لكن المبادرة ربطت كل خطواتها بحصول تراجع أو انصياع الرئيس للحق، وبالتالي القبول بعودة البرلمان، والتصديق على تعديل قانون الانتخابات وتعديل قانون تشكيل المحكمة الدستورية المودعين في قصر قرطاج، واستكمال تشكيل المحكمة الدستورية و مؤسسة الحوكمة الرشيدة ومحاربة الفساد والهايكا وغيرها من المؤسسات الدستورية التي تتطلب استكمالا لهيئتها أو تشكيلا جديدا . فضلا عن مطالب أخرى ضمنية كالعمل على منع الفوضى في البرلمان، التي سادت قبل الإنقلاب، بالمساعدة على حسن تطبيق النظام الداخلي الذي سيتم تعديله .

قد يبدو أن الخارطة معدة على أساس أن تعضدها ضغوط ميدانية لتنتهي بمقايضة استمراره في كرسي الرئاسة بالتنازلات التي تطالب بها ... هل هذا ممكن؟ وهل إذا كان ممكنا يمكن ان يبنى عليه مستقبل واعد ومستقر للبلد أم انه سيكون استمرارا في نهج التوافقات الهشة والتي تضمن الكراسي وتضمن تجنب الفوضى ولكنها لن تأتي بإصلاحات جوهرية ولا توافقات وطنية صلبة تمكن من سلم احتماعي عام على قاعدة المشترك الوطني والتنمية المستدامة.

ولكن الواقع يؤكد ان هذه الرؤية بعيدة المنال.... لذلك فالمبادرة الديمقراطية غير واقعية من وجهة نظري، وأبعد ما يكون عن التحقق في الواقع، وتحكمها نفس العقلية السياسية القائمة على منطق التوافقات، والبعيدة عما تتطلبه الاوضاع من حلول "جذرية" لا أمل للانقاذ بدونها.

هذا لا يعني أن خارطة الطريق التي اقترحتها ممكنة التحقق بدون صبر ومصابرة وبدون عمل مكثف في الميدان شعبيا وعلى صعيد العمل السياسي بين الفرقاء ومع مكونات القوة الصلبة للدولة وخاصة الجيش. لكنها بتمسكها بخط الشرعية الدستورية وبحسمها في الانقلاب هي الاقرب للمبادئ وهي الآمن ليس في تحقيق التوافق وإنما في حساب استراتيجيا تبنى بعسر ولكنها على قاعدة الطهارة السياسية التي تؤمن مستقبلا على أسس صلبة وليس على أعمدة هشة من "البوليتيك" السياسي.

تستحوذ على السياسيين عقلية المناورات التكتيكية التي تلهيهم عن الاستحضار الدائم للمبادئ والأهداف الاستراتيجية، ولديهم قدرة عجيبة على تبرير النتائج التي يهندسونها ويصلون إليها على انها الممكن الوحيد، حتى وإن كانت مجرد أقنعة مزيفة للوجوه الحقيقية للواقع البائس القائم على توافقات تحفظ المواقع وتوهمنا بأنها إنجازات لصالح الوطن والمواطن !

تاريخ أول نشر 2021/11/14