ما رأيكم أيها السادة في أولئك الشباب( الأطفال) الذين "اغتصب" طفولتهم أحمد ياسين والرنتيسي والزهار وغيرهم من قادة حماس؟ ألا ترون "الجناية" التي ارتكبوها، حيث خطفوهم من حياتهم الوادعة و"حطموا" أحلامهم الوردية في العيش الهنيئ بـ"الفيلا والعربية والنساوين المتنقية"؟
لم يتركوهم على الأقل يلتحقون بـ"المقاومة الفتحاوية" التي رفعت غصن الزيتون منذ 74، وغادرت الخنادق والأحراش الى الفنادق والصالونات!
هاهي الأرشيفات تظهر لنا صور الشباب اليافع في عمر الزهور وهم يجلسون إلى الشيخ المقعد أو ينشطون في المدارس والجامعة أو يزينون مهرجانات الحركة.
لم لم يتركوهم وشأنهم كي يختاروا طريقهم عندما يتجاوزون سن المراهقة التي لا نعرف بالضبط متى هي؟
وهي نفس الصورة (شباب) التي نراها في أبطال المقاومة الذين نشاهدهم في تلك العروض التي تقام الآن على أنقاض الدمار الذي لم يترك مترا مربعا في غزة.
هل علينا أن نلعن "الصدف" التي جعلتهم بين أحضان هؤلاء حتى قاموا لهم بعملية "غسيل مخ" فغادروا "حب الحياة" إلى "حب الموت اللعين"؟
ها نحن الآن نفتخر بهم وننحني إجلالا لما قاموا به ونكتب فيهم المعلقات والخرائد.
طبعا هناك من يقول عنهم ما كتبناه أعلاه، ويتهم أولائك القادة بأنهم ارتكبوا في حقهم كبائر وجرائم.
ذكرني هذا في ما كتبه بعض أصحابنا من التاكيد أكثر من مرة، أن التجارب التي خضناها في مجال النضال من أجل الحرية، والمصير "المأساوي" برأيهم الذي انتهينا إليه، إنما يتحمل جريرته أولئك الذين "اغتصبوا" شبيبتنا بل طفولتنا، و"استعملونا" في "محارق" لم نعد فيها حتى "رمادا" يصلح !
كنت أعجب ... ويستبد بي العجب العاجب ... كيف يمكن أن نفكر بهذا المنطق؟ كيف يمكن أن يتحول طريق الحرية اللاحب إلى "لعنة" ؟ وكيف يمكن أن ينعت الذي من الله عليه بأن اختاره في كوكبة المناضلين من أجل الحرية بأنه تم "اغتصاب" شبيبته!!!!!
نعم ... في الانتماء، والانخراط في الحركات والأحزاب والتيارات أقدار تمكن هذا وتمنع ذاك ... ولكن فيها أيضا اختيارات، تفرضها ليس فقط قدرة أو حيل القيادة والتنظيم، وإنما طبيعة الشخص ومكونه النفسي، وانتماؤه الاجتماعي، واستعداده للإنخراط في التنظيمات وما تفرضه من الولاء، وأيضا طبيعة اللحظة التاريخية، وديناميكية المجتمعات.
ونحن نرى في الواقع أن التنظيمات تجلب في البداية لها العدد الوفير، ولكنه لا يستمر معها إلا القليل. هل أن ذلك راجع إلى القدرة أم الضعف ؟ إنه الوضع الطبيعي، حيث أن طلائع المجتمع هم القلة، وأن القدرة على تحمل وظيفة الطليعة وما تقتضيه من تضحيات ليست في متناول عامة الناس. هذا ما عشناه، دائما كانت التيارات السياسية أقلية من حيث العدد مقارنة بعموم الناس. عشنا ذلك في المعاهد والجامعة وبطبيعة الحال في المجتمع.
أحيانا يبدو لي النقاش في الموضوع سفسطائيا، خاصة إذا نظرنا إليه من زاوية سوسيولوجية، ومن مداخلها المنهجية المختلفة، موضوعية وبنيوية ونسقية ووظيفية وتفهمية...
كل هذا لا ينفي قطعا ما يمكن أن يوجه من نقد للتجارب، وحتى الحكم بفشلها، ولا الحق في الاختيار الحر، ولا إمكانية حصول قناعة لفرد ما بخطإ في اختياره. كل ذلك ممكن، ولكن غير المقبول، هو الوصول إلى حكم "عبثي"، يحول حياة الانسان إلى مجرد "ريشة" في مهب "محددات" اجتماعية، فرضت عليه طريقا تحول إلى "لعنة".
مهما كانت سطوة المجتمع، وسطوة الفاعلين داخله من زعماء وحركات، وسطوة التنشئة الأولى، فللانسان قدر من "الاختيار الحر" الذي يجعله مميزا عن قرينه وأحيانا حتى عن أخيه وأخته.
لم أشعر يوما بأي ندم عن طريق اخترته في عز الشباب، والشباب هو مرحلة الاختيار طوعا أو كرها، وكنت مستعدا أن أركب فيه المراكب المهلكة، لأنه كان يقينا لدي أن طريق الحرية تلك هي تكاليفه، وأن طريق الحرية هو الطريق الذي لا طريق غيره نحو الله، ولأن الله لا يقبل الطاعة والعبادة إلا من الإنسان الحر، ولأن الجنة "سلعة غالية" والحرية ثمنها.
تاريخ أول نشر 2025/2/1