search

من لا يقصي النهضة فهو نهضة

ما أراه ... أن الاسلاميين وعلى رأسهم حركة النهضة، يرحبون بكل من يراجعون موقفهم وينخرطون في جبهة مقاومة الانقلاب ... ولا يضيرهم أن تكون المراجعة محتشمة، أو ليست مرتبطة بنقد ذاتي ضمني أو صريح، ولا يضيرهم أن يكون البعض ممن غيروا موقفهم من الانقلاب أو لا يرى مانعا في الانخراط معهم في مقاومة الانقلاب ولو بشكل موضوعي فقط، كان يناصبهم العداء وافترى عليهم بل وتآمر عليهم ....

فأن ينخرط في الجبهة من حرضوا في وقت ما على الإنقلاب أو من ساروا في ركابه ... وأن ينخرط من يعتبرون النهضة أخطر من الانقلاب بالأمس القريب ولعل بعضهم مازال إلى الآن ... وأن يغض الطرف بعض آخر على الخلافات الإيديولوجية من اليساريين والقوميين والتجمعيين وغيرهم أحزابا وأفرادا ... كل ذلك سلوك محمود الآن وعلينا التشجيع عليه، وخفض الجناح لأصحابه، وعدم المن عليهم، ولا استقبالهم بالسخرية والشتائم أو بالتشفي أو بالتشكيك ... فكل ذلك خفة غير محمودة ... لا تليق بالمناضلين الكبار ولا بالأحزاب الكبيرة.

وهذه الجبهة لن تلغي الاختلافات الإيديولوجية والسياسية ... وفضلا عن أن ذلك حلم وسذاجة، فهو ليس ممكنا ولا مطلوبا أصلا ... سيستمر الاختلاف، وسيستمر التنافس، وستخاض الانتخابات مستقبلا على قاعدة هذا الاختلاف. وعلى الشعب أن يقرر لمن يسند مهمة إدارة الدولة، وكيف يوزع نسب تحمل المسؤولية. وهو من يقرر إن كان هناك من أقنعه بأن يسلمه قيادة الدولة كاملة، أو أنه يفضل أن يكون ذلك مشتركا بين جزء من المتنافسين ...

وفي النظام الديمقراطي حين يقرر الشعب أن يترك بعض المتنافسين في المعارضة، فهو لا يضعهم في "بنك الاحتياط"، وإنما يكلفهم بمهمة "المراقبة اللصيقة" للذين بيدهم الحكم ... لذلك يقال أن أي نظام يخلو من معارضة ليس نظاما ديمقراطيا. وأنه حتى في ظل مراحل الجبهات الوطنية أو التوافق الوطني لا يختفي الاختلاف ... فحتى وإن تم الاجماع على الشعارات الكبرى أو البرنامج المرحلي أو المنوال التنموي، يظل الاختلاف قائما حول طرق التنفيذ وسبل الإدارة والتنزيل ....

والاسلاميون في ما أرى، مطالبون بتجاوز عقدة التوجس، ومنطق الثأر، وأن يتهموا أنفسهم أيضا ويحملون أنفسهم المسؤولية، ولا يلقوا بالتبعة كلها على غيرهم، فهم أيضا قد أخطئوا، ولربما كان خطؤهم سببا في أخطاء غيرهم، بل وفي تطرف غيرهم في عداوتهم أحيانا والتشكيك في كل ما يقومون به.

وعليهم أن يرحبوا بمراجعة البعض لمواقفهم حتى ولو كان ذلك ظاهريا ...

ومن حقهم عند تقديم أنفسهم، أو بناء تحالفاتهم في انتخابات قادمة، أن يختاروا الحليف الموثوق لديهم، وأن ينقدوا من لا يرونه كذلك ...

لكن عليهم أن يمدوا أيديهم لمن يتجاوز عقد الاقصاء والاستئصال، حتى ولو مرحليا، حتى ولو كان مضطرا بعد خيبة أمل في الانقلاب، حتى ولو كان مكرها وقلبه ممتلئ بالرفض للاسلاميين ومرجعيتهم ... وعلينا أن نكون واقعيين ففي دائرة الاسلاميين من يبادلونهم نفس الشعور ...

ما يهمنا أن هناك نقطة محورية تجمعنا وهي رفض الانقلاب ومقاومته وإسقاطه ...

والطريق إلى القبول بقواعد التعايش المشترك على قاعدة الديمقراطية، طريق طويلة قطعت فيها أشواط بالنسبة لفئة من الناس، ولا زالت في خطواتها الأولى بالنسبة للبعض الاخر ... والمهم أن نصبر ونصر على المضي في ذلك الطريق .... فليس من العيب أن نتألف قلوب الناس، وأن نقبلهم على ظواهر أقوالهم ... وليس ذلك عن غفلة أو سذاجة .... ولا فائدة في "تأصيل" المسألة حتى لا ينحرف الحديث عن قصده ....

إنما نحن إخوة الوطن الواحد، وقدرنا أن نعيش مع بعضنا، وأن لا يكون الحوار بيننا إلا بوسائل الديمقراطية، بعيدا عن كل ضروب الإكراه والعنف الرمزي والمادي ....

و كما قال الشيخ راشد : من لا يقصي النهضة فهو نهضة.

تاريخ أول نشر 2024/9/23