search

نقد ذاتي واعتذار واعتزال

هل يمكن أن تكون هناك حياة مدنية بدون نقد ذاتي واعتذار واعتزال عندما يكون ذلك واجبا؟!

تعلمت مما يجري في حياتنا المدنية أن الفاعلين الاجتماعيين سياسيين كانوا أم نشطاء مدنيين في المجتمع المدني أو المنظمات الكبرى أو إعلاميين أو مسؤولون إداريين ... كل هؤلاء لا قيمة لتقلب مواقفهم ما لم تكن مصحوبة بنقد ذاتي صريح، واعتذار صريح، وتخل عن المسؤولية عندما تنتهك الحريات الفردية أو العامة أو تهدر أموال دافعي الضرائب في فضاء المسؤولية الذي يعملون فيه ... أو عندما يفشلون في أداء مهمتهم عندما يكونون على رأس المسؤولية ....

يعمد الكثير الى القفز من قارب بصدد الغرق الى قارب جديد، وقد ساهم بنفسه في اتساع خرقه وكأنه مجرد ناج من قارب خرقه غيره ....

هذه قيم أخلاقية انبنت عليها الديمقراطية وبها صمدت وعليها قامت مجتمعات ناجحة ...

هذه الأيام نشاهد عمليات قفز من قارب الإنقلاب بعد أن بدأت تظهر حقيقته، وبعض "القافزين" كانوا قادة الدعوة للإنقلاب، وغرفته السوداء، وعقله المدبر، وقلمه المحرض، وصوته المفتري، ولسانه البذيئ ....

أكيد أنه كل ما انفض الناس حول الإنقلاب كلما ساعد ذلك على فشله، وإنقاذ الناس من شره ... ولكن ليس معقولا ولا مقبولا أن يتقدم هؤلاء المنسحبون في رمشة عين صفوف المناهضين للإنقلاب، ويصبحون وكأنهم قادتهم، وقد كانوا بالأمس القريب يمنون أنفسهم بدفنهم في غياهب المعتقلات ...

شاهدنا كثيرا من هذه الظواهر بعد سقوط المخلوع، ورأيناهم كيف قفزوا من جديد يضربون الثورة .... هؤلاء لا خلاق لهم ولا أمان لهم ولا يمكن أن يبنى بهم وطن ....

ولكن ...

نفس الأمر يقال أيضا عمن أوصلنا لحالة الإنقلاب، وساس الأمر بغير عقل وحكمة وشجاعة، وتورط في خيارات كانت نتيجتها الكبرى أن أوهنت رباط قوى الثورة، واستسلمت لابتزاز القوى المضادة، ولم تتحمل شجاعة أخذ المواقف الجذرية التي تمكن من القطيعة مع نظام انغرست عروقه في مقدرات البلد ستين عاما، وتشابكت مصالحه في الداخل والخارج ... هؤلاء أيضا ... قيادات ونخبا وأحزابا لن يشفع لهم مجرد مقاومة الإنقلاب ما اقترفوا من خطإ وخطيئة في حق الثورة وحق البلد ... كان عليهم أن يحاسِبوا أنفسهم قبل أن يحاسَبوا، وان يعتذروا، وأن يعتزلوا، فقد مكنوا بفشلهم في إدارة الشأن العام للإنقلاب، ولن تنفعهم النوايا الطيبة، فحتى صاحب الإنقلاب يرى أغلب التونسيين انه طيب النية، ولن يشفع لهم تدبير خصومهم وكيدهم بالليل والنهار فما جعل الخصوم إلا لذلك ....

هذه هي أخلاق الانقاذ الحقيقي للوضع الذي نحن فيه، ولا إنقاذ بدون أخلاق وقيم كان غيابها أو ضمورها سبب البلية الأكبر. وما لم تسد في فضائنا العمومي تلك الأخلاق، فلن نغنم إلا مزيدا من الفشل، ومزيدا من السقوط. وحتى وإن تمت توافقات، فإنها لن تخرج عن توافقات الاذعان لشروط الظلمة وسارقي مقدرات ومستقبل البلد، أو توافقات السقوط في أحضانهم وسير سيرتهم ....

تاريخ أول نشر 2021/9/4