أعرف نورالدين البحيري منذ عقود، وقاسمته الزنزانة بضعة أشهر، وسافرت معه، وأتيح لنا من الوقت الثمين ما امتدت به أحاديثنا وحواراتنا لساعات .... وأزعم أنني خبرت معدنه ... نورالدين طيب المعشر، حلو الحديث، كريم وشهم ... لا يترك بينه وبين محدثه حاجزا، ولا مع جليسه ترفعا ...
لا بل إن لنورالدين سلوكا لا ينم الا عن طيب سريرة، وأظن أنه يمارسه مع كل من يمتد في الحديث معه ... حيث بدون أن تشعر تجد يده تمسك بيدك، وكأنما يمسك بيد احد أفراد عائلته ....
ونورالدين شهم وشجاع وذكي، بل ألمعي، ورجل سياسة من الطراز الرفيع، يمارس فنونها كلها، ويمارس تكتيكاتها كلها، في ثقة كبيرة في النفس، وجرأة على اقتحام الابواب المغلقة، ونسج أدق العلاقات، وصناعة أعقد التوافقات، وإفشال أخبث المؤامرات، واختراق أعتى الحصون .... وهذا في رأيي ما جلب عليه سخط الخصوم، فلم يجدوا من باب لمواجهته غير الافتراء عليه .... في سلوك أبعد ما يكون عن شرف الخصومة الذي يؤمن به نورالدين، ويمارسه في غابة السياسة المتوحشة ....
نورالدين لا يستسلم، ويدافع عن نفسه وعن قيمه وعن حركته وإن كلفه ذلك الدخول في الوحل .... ومن دخل الوحل سيصيبه ما يصيبه، وسيدفع ببعض الوحل وحلا آخر أشد ....
نورالدين رجل لا يخفي رأسه ولا يحنيه إلا لخالقه .... ونورالدين يعرف التاريخ جيدا .... ويعرف أن قدر المصلحين أن يواجَهوا بكل وسائل التدمير .... ولكنهم يثبتون ولا يتزحزحون .... ولا يجعلهم ما يصيبهم مدعاة لأن يخيب رأيهم في أهلهم وشعبهم وأمتهم ..... ويعرفون أن الزمان كفيل بإظهار الحقيقة .... وكم من مصلحين تحسرت عليهم شعوبهم بعد فوات الأوان .... لكن نورالدين شهد وسيشهد بإذن الله رايات الحق عالية .... شهدها بعد عشرين عاما من حكم المخلوع وسيشهدها قريبا ... قريبا بإذن الله .... فعمر الانقلاب قصير .... وبيته أوهن من بيوت العنكبوت ...
تاريخ أول نشر 2023/9/23