كان ذلك سنة 75 ... تقدمت شابة محجبة أمام بورقيبة تلقي محاضرة حول مكانة المرأة في الإسلام في السنة العالمية للمرأة ليلة 27 من رمضان وبحضور كبار رجال الدولة والسلك الديبلوماسي .... كانت محجبة وهذا تحد لمن نزع عن المرأة الحجاب بيديه في لقطة رمزية صارخة .... ولم تصافح بورقيبة وتلك كانت صدمة ثانية .... من يجرؤ على أن يرد لبورقيبة يدا ؟ ولم تشد في المحاضرة بدور بورقيبة في تحرير المرأة وتلك ثالثة الاثافي .... وكيف يمكن أن تكون محاضرة موضوعها المرأة و لا يذكر فيها محررها الأول في تونس!!! ... كان صدى المحاضرة كبيرا وتجاوز المجال والزمان ... لما علم أن السيدة هند شلبي محجبة ... وقد تكون هي الوحيدة المحجبة في تونس ... حادثة محدودة لكن أثرها كان كبيرا .... فقد أعطت زخما لـ"صحوة" ما زالت تتلمس طريقها في بعدين أساسيين رمزيين .... البعد الأول هو اللباس والحجاب أساسا كـ"رأسمال مموضع" كما يقول بورديو ... ومواجهة بورقيبة من خلال الامتناع عن مصافحته والاشادة بمناقبه .... كان ذلك في نفس السنة أو التي بعدها التي حاضر فيها بورقيبة في معهد الصحافة وعلوم الأخبار بكلام تهجم فيه على القرآن والرسول وأثار زوبعة تجاوزت تونس وأدت إلى تكفيره من قبل بعض مشايخ السعودية.
حادثة هند شلبي من الحوادث الجزئية التي تركت أثرا شكل "بنية" من البنى الرمزية التي لعبت دورا مهما في انتشار "الظاهرة الاسلامية" التي لا زالت تخطو خطواتها الأولى .... استقبل "المتدينون" هذا الحدث بحفاوة كبيرة وساهموا في نشر المحاضرة التي تم تسجيلها صوتيا في زمن تعتبر الكاسيت وسيلة متطورة للنشر والدعاية .... لازلت أذكر لما استمعت لشريطها في قريتنا النائية في الجنوب التونسي في عرس أحد "إخوتنا" الأوائل .... أذكر ذلك الاحتفاء وذلك الإعتزاز بالحدث والحديث والمحدث ... وأذكر أن الاهتمام كان منصبا على رمزية امرأة محجبة تحاضر أمام بورقيبة وعلى عدم مصافحتها له وعلى عدم التعرض له بالمديح في محاضرتها .... ولا أذكر من مضمون محاضرتها شيئا ....
كنا نتسقط أخبار تلك السيدة التي كان على يديها "فتح عظيم " ... وكل ما علق بذاكرتي أنه لم يكن لما بعد ذلك أي شيئ خصوصي ... وبدا أنها بعيدة عن جو الصحوة العام والخاص ... وسرى لدينا أنها رفضت أحد رموز الصحوة لما تقدم لخطبتها .... وبدا مع الأيام أن هندا كانت "أمة" بمفردها ... ولا تربطها بـ " الجماعة " رابطة خاصة .... وفي حين كانت الجلبة تزداد داخل "الجماعة" وحواليها ... لم يكن لهند فيها صوت ولا حسيس .... حتى كان المنشور 108 لنسمع من جديد بهند التي لبست السفساري باعتباره ليس لباسا طائقيا ولا سياسيا وتقدمت به للدرس في كلية الشريعة .... استطاعت أن تفرض على النظام القبول باختيارها ذاك .... وربما كان لتيقن النظام من بعدها عن "الجماعة" ما يبرر غض الطرف عنها .... وربما كان لعائلتها مكانة اجتماعية ما حمتها .... لست أدري ...
هند شلبي درست في كلية الشريعة وحازت على الدكتوراه لكنها لم تشتهر في الفضاء الأكاديمي ولا في مجال البحث بإنتاج غزير أو سمعة كبيرة ... لكنها كانت مهابة ومحترمة ...
غفر الله لها وأسكنها عليين وجزاها بما قدمت خير ما يجزى به الصالحات من إمائه ....
تاريخ أول نشر 2024/6/24