search

وقفة مع "السياسي الذكي"

يقولون لك ان فلانا بما اشار إليه من حل لمواجهة الإنقلاب، كان ذكياً، وأراد ان يجنب أصحابه محرقة جديدة. قلت حيا الله الذكاء والحكمة والفطنة، والسياسة فن الممكنات.

ولكن بشرط ان لا يكون الممكن هو خروج من حالة المقاومة إلى الارتماء في أحضان الانقلاب، إما بشكل صريح أو بشكل موضوعي حين لا يفعل شيئا غير توفير غطاء أو توفير شرعية لما يقدم عليه من تنفيذ مخططاته الانقلابية، التي تهدر كل معاني الحرية والديمقراطية، وتمدد في نفس الاستبداد والفساد والحكم المطلق، ووأد كل المكاسب التي افتكها الشعب، وبعضها يعود حتى لما قبل الثورة.

من يتحدث عن حوار مع الانقلاب، ومن يحلم بانتخابات حرة ونزيهة وشفافة في ظل الانقلاب، يغالط نفسه ويستبله الناس.

ويفرض على الناس البحث عن المستور وراء هذه الدعوى، التي ينكرها متوسط العقل فما بالك بالذكي الفطن. إلا ان تكون شدة الذكاء والفطنة انقلبت إلى ضدها!

أفهم أن تتحول المقاومة عند البعض إلى عقدة، حين لا يبقى في ذاكرته مما مورس منها سابقا إلا ما يصوره على انه "محرقة"، ذاهلا عن سنن التغيير الاجتماعي ودروس التاريخ، ولكن كل ذلك إذ يفرض عليه الاستفادة من أخطاء الماضي إن وجدت، من اجل عدم تكرارها، إلا أنه لا يعطيه مبررا لكي يلبس المهادنة لبوس المقاومة، ويلبس الصغار والخنوع لبوس العزة والكرامة.

في الصراع السياسي لا حصر للممكنات، ولكل ممكن إطاره ومخرجاته، التي تحددها الدراسة الدقيقة لموازبن القوى وحسابات الربح والخسارة المادية والمعنوية.

وموازين القوى الحقيقية هي التي تأخذ بعين الاعتبار قوة الحق الذي معك، واستعداد الشعب للاستجابة لما تطرحه، وحجم التفاف النخبة حول العرض السياسي الذي تقدمه، والقراءة المتبصرة للجيوبوليتيكا.

عملية التركيب بين هذه الفواعل جميعها، هي التي تحدد نوعية المقاومة التي عليك خوضها، آخذا بعين الإعتبار طبيعة الانقلاب ووسائله وداعميه وجنوده.

وقد تكون الدراسة الدقيقة تفرض عليك اختيار المقاومة السلبية لحين، فلا مندوحة في ذلك. والشعوب تلجأ إلى ذلك أحيانا حين تفتقد طليعتها ... ألا ترى ان الشعب قد قاوم الانقلاب مقاومة سلبية حين أعرض عن استشاراته واستفتاءاته وانتخاباته ؟

المهم ان يتم كل ذلك في إطار عقل يقظ، ونفس ابية، وقلب حي، يرفض الظلم والظالمين، ويكره الاستخذاء والمستخذين، والخذلان والمخذلين، وضيقوا النفس، والباحثون عن السلامة من أقرب طريق، ولو كان منتهاه واد سحيق يذهب بدنياه وآخرته ... ومن كانت دنياه ذلا فآخرته أذل والعياذ بالله.

تاريخ أول نشر 2023/9/21