كتب الصديق نجيب مراد النائب في المجلس الوطني التأسيسي، منشورا في صفحته على الفيسبوك يتحسر فيه على الجامعة التونسية التي كانت تقيم الدنيا ولا تقعدها في حرمها انتصار لفلسطين. لا بل - أزيد - وتتخطى اسوار الحرم الجامعي لتقتحم الشوارع والساحات في العاصمة والمدن الكبرى متحدية نظاما بوليسيا قمعيا.
نجيب مراد الذي دخل الجامعة في أواسط السبعينات، ومكث فيها أكثر من عشر سنوات، يناضل من داخلها نظاما قمعيا، وينتصر في باحاتها للقضايا العادلة في العالم، قياديا من قيادات الاتجاه الاسلامي بالجامعة، حق له أن يتحسر بل ويستصرخ عل صوته يجد آذانا صاغية.
لقد كلكلت على الجامعة التونسية أثقال سنوات عجاف، بعد سنين الوعي والمرابطة والجهاد في مواجهة الاستبداد الداخلي والخارجي ، لكنها استعادت شيئا من وعيها قبيل الثورة بسنوات، وظننا أن الثورة ستحررها وتعيدها إلى ساحة الشهادة على الواقع وعلى الأحزاب والتنظيمات التي تدير البلاد كما فعلت من قبل. لكن المؤسف أن الأحزاب دجنتها وحولتها إلى "نوادي" تخدم أجنداتها وأحيانا أجندات قياداتها.
أخرجت الجامعة من موقع الشهادة والرقابة، وتخلت عن رسالتها السياسية الكبرى ألا وهي: التعبير والدفاع المتحرر من كل قيد عن استحقاقات الحرية والكرامة التي جاءت الثورة لتحقيقها.
ارتكبت الأحزاب السياسية خطأ قاتلا بتوظيف الجامعة لأجنداتها، فتحولت التنظيمات السياسية والنقابية إلى صدى للعجز والتردد، وانفض الطلبة عنها، كما انفض الشعب عن الأحزاب. لا بل إن الجامعة قلعة الوعي المتحفز، سقطت هي أيضا في حبائل الشعبوية وساهمت في نجاح المنقلب بالتحرك الكبير للتصويت له.
نعم ربما كان التسييس المفرط للجامعة في ما قبل، على حساب المهمة العلمية، ولكن لم يكن للجامعة - طليعة المجتمع - أن تنغلق على برجها العاجي وفيها الفئة العمرية المهيئة للحلم النبيل والمتطلعة لمستقبل الحرية والتحرير.
الآن أدركنا أن كل شعاراتنا التي رفعناها في الساحات والباحات وفي التجمعات والاجتماعات وفي حلقات النقاش الفكري الممتدة لساعات في حر الصيف وقر الشتاء لم تكن هراء .... لقد كانت حقائق ... اثبتتها الوقائع والوثائق والأيام.
كانت شعاراتنا صحيحة، لم نتطاول فيها على الحقيقية ، وكانت نضالاتنا طاهرة طهر الطفولة والملائكة، كنا نطير على جناح الشوق للحرية والتحرير، ونستعذب العرق والألم ونفتخر بالسجون والمعتقلات والتجنيد والإيقافات والطرد من المعاهد والكليات لأننا كنا نعتبرها مهرا للحرية والتحرير، لا يمكن الحصول عليهما بدونها.
ربما كنا متطرفين في أحلامنا، ولكن هكذا هو العشق تطرف أو لا يكون. ذلك العشق هو الذي أنجز بعض أحلامنا، وهو الذي أعطانا ثمارا لم نستطع المحافظة عليها ... فهل يلام الحالم والعاشق على ما فعل أم يلام من استلم الأمانة ولم يحافظ عليها؟
ربما ساهمنا نحن جيل النضالات الطلابية في السبعينات والثمانينات في ما وصلت إليه الأوضاع في البلاد، فالنخبة التي استلمت البلاد بعد الثورة، قطاع عريض منها هم جيل الجامعة التي كان يقود النضال وينشر الوعي ويبشر بالغد الأفضل. لكن هل أن ذلك يبرر أن تتخلى الجامعة على وظيفتها في نشر الوعي وبناء رجال الغد والوقوف في وجه الظلم والظالمين ولو كان منهم من كانوا من قياداتها بالأمس؟
كيفما كان الحال فإن الحركة الطلابية التونسية في أسوء أوضاعها على ما يبدو . ربما كانت الجامعة في عشرينية بن علي معذورة لشدة القمع ولكن أين العذر الآن؟ وقد نلتمس بعض العذر لعدم انخراط الحركة الطلابية بالشكل المطلوب في مقاومة الانقلاب ولكن أين العذر في تخلف الحركة الطلابية عن نصرة طوفان الأقصى؟ كنا في مضى نتصارع كاتجاهات سياسية، وكانت فلسطين توحدنا رغم أنفنا ورغم اختلافاتنا الكثيرة بخصوصها.
لقد استبشرت يوم الجمعة الأولى من طوفان الأقصى، حين رأيت شبابا يرفض مماحكات الأحزاب السياسية، ويخرج لشارع الثورة ملبيا نداء حماس والكتائب. كنت أتابع المشهد من بعيد وأتفرس الوجوه وبداخلي فخر كبير وأردد مع أحمد فؤاد نجم : رجعوا التلامذة يا عم حمزة للجد ثاني.
ولكن الشعلة سرعان ما انطفت أو خبت !!!!
لن يفلح بلد فقد طلابه الحلم، وبردت دماء الشباب في عروقهم، واستوى عندهم ليل الأيام ونهارها ,,,, فهل لصحوة الجامعة من سبيل ؟ وهل ليقظة الطلبة من طريق؟ وهل لدماء الشباب من فورة؟