استمعت البارحة لأحد الأصدقاء من الجنوب الشرقي التونسي، يقول أن تطاوين تكاد تخلوا من شبابها ... طريق مفتوح للهجرة "السرية"، يكاد يأتي على "ريحة الشباب" ... كلنا شاهد أشرطة فيديو لشباب في طريق الهجرة "السرية" في منطقة البلقان لأوروبا...
من "أطرف" ما قال أن مجموعة "الكامور" المشهورة، التي يؤكد حسب قوله أنها مجموعة "زبراطة"، والتي كانت قبل 25 تتحدى الدولة وفعلت ما فعلت، "ذابت كالملح في الماء"، وهي الآن تتسكع في أزقة باريس !
تعيش البلد خاصة منذ 25 حالة نزيف حاد من جراء فتنة الهجرة التي ازدادت استفحالا لشبابها ... لا شك أن الأزمة التي تتصاعد وتجعل البلد أكثر اختناقا، تدفع بالشباب الى "الفرار" من "جحيم" الوطن إلى "جنة العكري" الموهومة. لكنني أستطيع أن أجزم أن هناك خطوط "تفريغ" للبلد من طاقة المستقبل يجري غض الطرف عنها ... الشباب قوة التغيير ... المستعد دائما لحمل الأحلام ... ولمواجهة النهابين في الداخل والخارج ... لا بد من قتل هذه الطاقة في البلد، من خلال فتح طريق الهجرة، وغض الطرف عن سوق المخدرات، وكل ما يدمر طاقة التغيير فيه، وطاقة الحلم، وطاقة الإيمان بالقدرة على التغيير ....
نزيف آخر لا يقل خطورة ... خروج الآلاف من الإطارات للعمل في الخارج .....
نتحدث دائما عن النهب الاقتصادي، لكن هذا النوع من النهب أشنع وأفضع ... يستحق أن تشن بسببه الحروب لو كنا نفقه .....
في أمثالنا نقول : "المال يمشي والرجال تجيبه ورجال تمشي مالها جيان "
عايشت حالة مماثلة في بلد بلقاني تم تخريبه بأيدي طبقته السياسية ... دمرت مقدرات البلد بطريقة لا تسترد إلا بعد مرور أجيال ...
نزيف آخر أشد خطورة ... إنه النزيف الديمغرافي الذي سيقلب الهرم الديمغرافي ... مع استمرار سيطرة النظرة الأنانية للزواج والإنجاب والخضوع لسيطرة أقوى لوبي عالمي ... لوبي المثلية وما يشتغل عليه من تدمير لمؤسسة الأسرة والزواج والإنجاب، بوسائل ثقافية تشتغل على إعادة تشكيل منطقة اللاوعي فضلا عن الوعي، ومن اشتغال في الدروب الخلفية لأجهزة الدولة التي تستطيع تمرير التوجيهات والقرارات وتشكيل منظومة القيم من باب القانون والتشريع ... ومن اشتغال في مفاصل الإقتصاد لجعله خادما لتلك القيم، ومن اشتغال على العلاقات الدولية ومؤسسات الإقراض العالمي وجعل الخضوع لتوجهات ذلك اللوبي مفتاح الرضا ومد يد المساعدة والحماية .....
معارك السياسيين التي انشغلت بالمنافسة على سلط مفرغة من استقلاليتها، وتجاهلها لمعارك الاستقلال الحقيقي، لم تفعل إلا أن فتحت طريقا سالكا لتدمير البلد ... لم تكن لحظة 25 إلا حلقة متقدمة من حلقاته ...
أفهم أن لا تغيير بدون سياسة ... كما أفهم أن لا تغيير بدون أحزاب/حركات، لكنها بالتأكيد ليست السياسة التي قادت البلد في العشرية الماضية ولا أحزابها ... ولكنها أيضا وبالتأكيد ليست 25 وما بعدها ولا سعيد ومن معه ... هؤلاء هم الوجه الآخر للأزمة ... للفراغ الرهيب ... معاول الهدم على رأي الصديق عبد الحق الزموري .... ليس فقط هدم ما قبل 25 .... ولكن ما يحصل هو هدم مقدرات البلد الموضوعية ... هدم بناها الموضوعية .... فهل يحتاج التغيير "الحقيقي" كل ذلك الهدم ؟
تاريخ أول نشر 2022/8/21