وبأبى الله إلا أن ينقذكم ... فاحمدوه ... وأروه من أنفسكم خيرا ...
أخاطبكم ككيان اجتماعي يتجاوز أفرادكم بما فيهم الرموز والقيادات ... ويتجاوز حزبكم ... ويتجاوز ما تقولون وما تصرحون ...
أخاطبكم كروح لا زال نبض الحياة في تونس يحيا بدقاته ....
من هذه الزاوية انظر إليكم ... فأرى فيكم عنوان الصمود الذي يراد له أن يمحى، والأمل الذي يراد له أن يخبو، والعمل الذي يراد له ينتهي ....
كل السهام مصوبة إلى جسدكم ... ولو تكسرت النصال على النصال ... الكل يراكم عقبة ... حتى من يستجديكم يرى انه يأخذ حقه منكم !
انتم الحزب الأكبر ... وتلك محنتكم ... لأن الجميع ... أقول للأسف الجميع يرجو وينتظر ان تتفتت وحدتكم لتنكسر شوكتكم ...
إذا تفتتم ... هناك من يحدث نفسه وقد عجز عن جمع الناس حوله أن يستكثر ببعضكم سواده ...
إذا تفتتم .... هناك من ستخلو له الساحة ويحدث نفسه بأن يصبح أكبر حزب في البلاد ... ليقود البلاد إلى مستنقع التبعية المذلة وعودة الدولة القديمة بكل رفثها وفسوقها عن قيم الحق والعدل والكرامة ....
أعداء تونس في الداخل والخارج ... وبعض المضللين والواهمين وكسالى العقل والقلب والروح ... كل اولائك ينتظرون اليوم الذي تصبح فيه النهضة اسما بلا مسمى بل أثرا بعد عين ....
حتى بعض من كان من أبنائها يراودهم ذلك الأمل بوساوس العاجزبن والحالمين ....
قرات لأحد الأصدقاء الذي يجتهد بكل ما أوتي من قوة ان "يكفِّر" عن أكثر من نصف عمره الذي قضاه في النهضة، اضطر ان "يصفع" خصوم النهضة، ولكنه لم يستطع ان يمرر ذلك إلا بأن يسدد للنهضة "ثلاث صفعات"! وليس مهما ان يختل عنده الميزان المنطقي، إنما المهم أن يثبت أنه لم يتخل عن "كفره" بما كان عليه!
قدرت قيادة النهضة ان يكون موقفها من مرحلة التزكيات موكلا لرغبة وضمير كل فرد من أفرادها ... لكن العملية تحولت إلى نخر في جسد النهضة مورست فيه الضغوط والابتزازات، واضرمت فيه نار الخلاف والتنابز والاتهام، ووصل الحوار مستويات مؤسفة ... وتحولت عملية الحصول على تزكيات البعض إلى مسؤولية النهضة وأبنائها! وان عدم استيفائها بحسب المطلوب إذا حصل سيكون جريرة النهضة التي لا تغتفر!
ثم تواصل الوضع مع المستقبل المجهول لمن سيتم التصويت له. وكان الوضع على تلك الصورة المؤسفة ...
لدرجة انك تستطيع القول ان أحد نتائج مرحلة الترشيح للانتخابات هي الاثخان في الجسد النهضوي ... يطالب بالقيام بواجب غيره كما لو كان واجبه المتعين ... "موش بمزيتك" ... ويكال له السب والغمز واللمز ... وعندما يظهر البعض من النهضويين موقفا مخالفا تتحول النهضة إلى لاشي ولا قيمة لها ... بل ويحاججك بأنه لم يبق منها ما يدعوها للتظاهر بالحزب الكبير!
لا أتجاهل وجوها عديدة لتفسير ما حصل ولكنني أؤكد ان الوجه الأهم بالنسبة لي والذي يهم تونس ومستقبل الثورة هو هذا الوجه الذي بينته اعلاه ....
من يفرح بضعف النهضة إنما يفرح بانتزاع عنصر القوة في تونس، وحاضنة المستقبل في تونس ....
وقد أنقذ الله النهضة وابنائها من فتنة ترشحات كانت ستضعف قوتها، من غير طائل، ولا امل من ورائها في تحقيق نصر على انقلاب داس على الدستور والقانون من قبل .... فـ"جزى الله الانقلاب خيرا" إذ أغلق بازدرائه بالدستور والقانون باب الفتنة ذلك ... "لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم"...
أقول للنهضة وأبنائها أنتم ملح البلد وإن شكك المتشككون وازدرى بكلامي المتشائمون ... فعضوا على وحدتكم بالنواجذ، وسدوا الأبواب التي تطل منها الفتن برأسها ... واصبروا وصابروا ... وإن لكم في سجون الانقلاب أسودا دخلوها دافاعا عن الحرية والكرامة والعدالة والاستقلال الحقيقي لتونس، فعززوا ثباتهم بصمودكم ووفائكم ... ليس مطلوبا منكم ان تكونوا "كبش نطيح" لأحد ... وقد أخذتم من التاريخ عبرا ...
إن في النهضة حزبا وحركة وتيار خير كثير ... وتجربة ثرية ومساهمة في خير الوطن، يعتز بها كل حر، ولا يغمطها إلا جاحد أو حقود .... فلا يشككنكم أحد في ما انتم عليه ...
ومع انني أعلم أنكم لستم فوق سنن الله في التغيير والتبديل إذا توفرت اشراطها ... فإنني أزعم أن ذلك إذا حصل، فلن تستخلفوا فيه إلا من رحمكم ...
رحم الله الشهداء وثبت السجناء وفك اسرهم في يوم عز لتونس وذل لأعدائها ...
تاريخ أول نشر 2024/9/3