1. يبدو أنّ اتّحاد الشغل قد أوصله صلف قيادته الجاهلة المتعالمة إلى مأزق لم يعد له من حلّ إلّا بالتخلّص منها. لقد أرادت القيادة، بليّ عنق القانون، التمديدَ لنفسها لتبقى على رأس المنظّمة في مؤتمر صفاقس 2022 استنادا إلى سنّة رئيس السلطة السياسية الذي أغرته السلطة فخرج بإرادته من مدار الانتخاب إلى مدار الانقلاب. أرادت قيادة الاتحاد التمديد لنفسها في تماثل مع المنقلب فجعلت مصيرها بيده، وهو لا يعرف غير الإلغاء والعزل ووضع النهايات.
مهّدت قيادة المنظمة، طوال عشر سنوات للانقلاب على الديمقراطيّة. ولمّا انقلب رئيس السلطة السياسية على مسار الانتقال الديمقراطيّ ليفتح لنفسه بابا جديدا دعاه تصحيح المسار، اصطفّت قيادة الاتحاد خلفه اصطفافا بلا شروط وقرأت فيه خلاصها من ديمقراطية تعدّدية لا توافق منزعها التسلّطي وقد آل إليها مصير منظمة تغوّلت حتى صارت دولة طاغية على الدولة.. وقد انتهى بها الأمر ، من فرط غبائها، إلى أن جعلت مصير المنظمة بيد رئيس السلطة القائمة.
2. لقد اختارت قيادة الاتحاد الانقلاب على الديمقراطية للخلاص من حركة النهضة في مستوى أوّل، ولأنّه، في مستوى ثانٍ، يوافق رغبتها في ما تعدّ له من انقلاب نقابيّ بدأته في مؤتمر استثنائي غير انتخابيّ عقدته بمدينة سوسة في شهر جويلية2021، عندما تقدّمت بمشروع تنقيح الفصل 20 من قانون الاتحاد الأساسيّ الذي سيخوّل لها التمديد لنفسها على رأس المنظمة في مؤتمر صفاقس 2022 .
السلطة مغرية في النقابة مثل السلطة في السياسة.
3. كان الانقلابان السياسي والنقابيّ شقيقين متساندين. غضّت قيادة الاتحاد الطرْف عن انقلاب رئيس السلطة وتغافل هو عنها حتّى يتمكّن. وقد خفض لها، مؤقّتا، جناحه وتغاضى عمّا يروج من عناوين فسادها وإفسادها، وهو فارس الحرب على الفساد الأوّل.. سكت عنها رغم كون المنظمة جسما وسيطا، وهو لا يرى خلاصا إلّا بالقضاء على جميع الوسائط.
4. الآن، يبدو أنّ قيادة المنظمة باتت تستشعر خطرا جسيما يهدّدها، وقد قدّمت لنفسها بعنجهيتها ما أثقل رصيدها من سابقات بوائقها. فهي، أمام هذا الانسداد الكلّيّ بين أمرين:
• أن تتعهّد أصواتَها لتعود إلى دائرة الصراع وتدفع ما عليها من تضحيات عسى أن تتطهر من آثامها وتنقذ المنظمة من موت محقَّق تحمله لها سلطة سياسية لا تقبل قوّة خارجها.. وتساعد بذلك على إنقاذ البلاد.
• أو أن تقبل بأقلّ الأضرار بأن تنسحب من المشهد تحت ذريعة عودة الوعي والتراجع عن نتائج مؤتمر صفاقس الذي خرج منه الكادحون بصفر من المنافع لذهاب الخراج كلّه إلى أعضاء المكتب التنفيذيّ الذين فازوا بالتمديد لأنفسهم. ليحقّقوا منافع، شخصية، لهم.
5. يبدو أنّ قيادة الاتحاد رضيت صاغرة بالدخول إلى بيت الطاعة من نافذة صغيرة يُدعى فيها أعضاء المكتب التنفيذي إلى تقاعد مريح لتصعّد القيادة السياسة قيادة نقابية تابعة لها تبعيّة مطلقة تأتمر بأوامرها.
لقد كانت معركة بن علي مع الاتحاد، في بداية عهده أصعب، إذ وجد أمامه صخرة اسمها الحبيب عاشور، ولكنّه نحج في إزاحة الصخرة من طريقه ليجعل من اتحاد الشغل إدارة تابعة له يحصي داخلها معارضيه ويطّلع على درجات معارضتهم.
بينما الطبوبي ليس بصخرة.. هو طينة هشّة سهلٌ تفتيتها.
لو كان للاتحاد قيادة مناضلة عاقلة لكان اليوم حصنا للبلاد يتحصّن به الجميع من بطش سلطة لا تفعل غير التنكيل. ولكنّ هذه القيادة اختارت دور قاطع طريق، وقطّاع الطريق لا يصلحون للتحصين. لا فرق بين الطبّوبي وخصومه داخل المنظّمة، بل لعله أقلّ منهم سوءا.
هم أولاء، جميعا، أشبه بابن العلمقي.
تاريخ أول نشر 2024/9/8