تفتقت مواهب الإنقلاب وزبانيته فقرر اعتقال شيوخ أكلت السجون والأمراض أبدانهم ولم يعد لهم من العمر ما يبنون به الدور والقصور حتى في أحلامهم ... لكنهم لم يتخلوا عن النضال من أجل الحرية والكرامة لما بقي من عمرهم ولأبنائهم وأحفادهم ... ينشطون في إطار مجال العدالة الانتقالية ... ويسعون لتثبيت حق إنساني ودستوري حرمتهم الثورة المضادة من تحقيقه ونسجت حولهم الأراجيف والأكاذيب من تعويضات وامتيازات.
استأسد عليهم الطغام واعتقلوا طائفة منهم لإرضاء نزوات فاشية وخضوعا لهلوسات ووسوسات ورعب من النهضة، حيث يتوقعون كل صيحة تصدر عنها أو عن أبنائها عليهم ... يخافونها وهي مغلقة مقراتها ومعتقل قياداتها ...
ومن وراء ذلك حقد أسود يرى كل حدث بعين واحدة لا غير ... ماذا استفادت النهضة منه أو ماذا ستستفيد ... فلا عجب ان ينتفضوا لكل حدث ويضربوا كيفما اتفق ... ويخبطوا خبط عشواء ...
ومن وراء ذلك أيضا صراعات الشقوق في ماخور الانقلاب بين من أزيح ومن تقدم .. من تصدر ومن تأخر ... بين من يخدم المستعمر ومن يخدم شياطين العرب.
لكن هذه الاعتقالات وثيقة الصلة بالانتخابات ... والمراد من ورائها إرباك قرار النهضة باعتبار أن موقفها محدد في نتائج الانتخابات خاصة في هذا الإطار الذي ضرب فيه الانقلاب ربما من دون أن يشعر إمكانية تشتيت الأصوات ... وهذا يعني أن هناك خوفا شديدا من نتائجها تعززه عمليات سبر الآراء التي تؤكد انحدار أسهم المنقلب بشكل مطرد حتى نزلت في بعضها للرتبة الثالثة.
شخصيا كنت دعوت إلى مقاطعة الانتخابات ... لكنني رأيت أن الذين يرون ضرورة المشاركة هم الأغلبية ... لم يكن لدي أمل في ردة فعل موازية لما ارتكبه الانقلاب في دوس قرار المحكمة الإدارية الذي قضى بإرجاع ثلاث مترشحين للتنافس، وهو سلوك يكشف عما نتفق عليه جميعا في أن طاقة النضال والاستعداد لتطوير وسائله كما يحدث عادة في مثل هذه الأوضاع محدودة، فلا زال ما يشق المعارضة من خلافات مانعا قويا عن التوحد الذي هو الشرط الضروري لممارسة ضغط يوازي صلف الانقلاب.
وفي إطارالتفكير داخل ساحة الأغلبية وما كشف عنه الانقلاب من رعب من مواصلة السيد العياشي الزمال إصراره على عدم الانسحاب، وتورط الانقلاب في إدراج إسمه بما لا إمكان لاستثنائه من التصويت له، فإنني أرى في ظل هذه التطورات ضرورة تحويل الانتخابات إلى معركة تستجمع فيها المعارضة القدر المتاح من استعداداتها ... وذلك بالانتصار للسيد العياشي الزمال شريطة أن يكون له ولحملته التزام واضح ودعوة صريحة لإغلاق قوس الانقلاب بتكوين حكومة تسيير أعمال وإجراء انتخابات برلمانية سابقة في غضون ستة أشهر وفق القانون الانتخابي المعتمد من برلمان 2019، وإخلاء السجون من المناضلين، واستكمال تكوين المحكمة الدستورية وغيرها من الاجراءات الضرورية لإجراء انتخابات تعددية وحرة ونزيهة وشفافة تفتح البلاد على مرحلة استئناف واعد للثورة.
على السيد العياشي الزمال أن يدرك أنه لن يتمكن من منافسة الانقلاب إلا بدعم الجمهور المحافظ وعموده الفقري حركة النهضة.
وعلى قوى المعارضة جميعها وعلى رأسهم النهضة أن تخوض الحملة الانتخابية بالوسائل الفعالة والاصرار المطلوب والدفاع عن عملية الفرز وشفافيتها ... وإذا تمكن المنقلب من تجيير المشهد لصالحه بافتكاك النتيجة بكل وسائل التزوير والترهيب المباشرة وغير المباشرة واستعمال بعض بنود مرسومه غير الدستوري فسيكون افتكاكها مخضبا بالفضيحة والعار والشنار والعراء من كل شرعية ... وتلك مرحلة متقدمة لأسقاطه.
مع كل الاحترام للاحزاب والحساسيات الأخرى لا يوجد من هو قادر على خوض المعركة غير النهضة ... لكل نصيبه المقدر ولا شك، ولكن الثقل الأكبر القادر على تأجيج المعركة والمنافسة على الرهان فيها هي النهضة بكل رمزيتها وإمكانياتها.
أختم بتوجيه دعوة إلى السيد العياشي الزمال إلى وضوح أكبر في برنامجه وخطواته العملية ورؤيته لما بعد قيس سعيد وفريق مستشاريه ومرشحيه للمناصب والمهام التي تتبعه، مع وضوح في التمثيل الرسمي لحملته ومن يتحدث باسمه حتي نكون على بينة تجنبا لما نراه من تعدد في الناطقين باسمه والمتقربين اليه وتاريخ بعضهم مشوه بفكرة الاقصاء والتعصب الإديولوجي. وأن لا يقع الاكتفاء بما يتم التصريح به سرا أو علنا من البعض من داخل الحملة أو من محيطها.
تاريخ أول نشر 2024/9/13