يستسهل البعض الكتابة التي تحمل الجميع أوزار ما وصلت إليه البلاد ... وقد رأيت أن البعض كي يستطيع خاصة نقد الآخرين عليه أن يحشر النهضة "في العجة" حتى يستطيع تمرير نقده وحتى يحضى نصه ببعض القبول ...
والحقيقة أن أولائك يزيدون الطين بلة ويساهمون في تعفين الأوضاع ...
لم يقل أحد من الاسلاميين أنهم بلا أخطاء ... ولم أسمع منهم من ينكر ضرورة القيام بمراجعات ... بل شهدت وشهد غيري وكل منصف أن النهضة هي الحزب الوحيد الذي تجرأ وقدم نقده الذاتي في مناسبات عديدة رسمية فضلا عن غير الرسمية التي صدرت عن بعض قياداتها وأعضائها ومناصريها ...
لم تفتأ النهضة تدعو وتسعى للحوار والتواصل مع الفرقاء وذلك منذ بواكير نشاطها السياسي العلني ... وجلست مع الحزب الشيوعي والديمقراطيين الاشتراكيين والوحدة الشعبية حتى عندما كان بعض أجنحتها ما زال متأثرا بالرؤية الإخوانية القديمة التي كانت تستهجن السياسة والسياسيين ....
والنهضة هي التي بادرت وكان دورها فاعلا في دفع المعارضة للتنسيق في أواسط الثمانينات وأقدمت على تحركات ميدانية نصرة للقضايا العادلة ...
كما انخرطت النهضة في عملية إعداد الميثاق الوطني ورضيت به ووقعت عليه رغم تحفضاتها على بعض بنوده تقديرا لمصلحة الوفاق الوطني ...
والنهضة هي التي دعت في وثيقة مشهورة سنة 96 إلى "المصالحة الوطنية الشاملة التي لا تقصي أي طرف سياسي أو اجتماعي أوثقافي" كما قدمت تلك الوثيقة نقدا ذاتيا لم يرق اليه اي من الفرقاء ...
والنهضة هي التي تنازلت وقبلت بالحوار الوطني رغم ما فيه من حيف وظلم لها اكده الفاعلون في ذلك ...
والنهضة هي التي دعت الى التوافق وحرصت عليه وبذلت جهودا لتنفيذه والصبر على محدوديته متشوفة الى توسعه وتجذيره ...
والنهضة هي التي قبلت في حكومة الجملي بكل مطالب التيار والشعب ولكنهم مع ذلك تراجعوا عن مطالبهم واصروا على افساد العملية السياسية ووضع الحالة السياسية في يد قيس الذي استغلها للانقلاب ...
والنهضة هي التي الآن تتذرع بالصبر الجميل والحكمة والاستعداد الدائم للحوار والتنازل لما فيه مصلحة الجميع ...
كيف يمكن للبعض أن يضرب صفحا عن كل ذلك ويسويها بمن رفضوا كل مبادرات النهضة ولم يكشفوا الا عن وجه اقصائي او استئصالي ؟
كيف يمكن تسويتها بمن لا يريدون منها الا أن تأتي مستسلمة مجردة من كل شرعيتها وحقها في الوجود ؟
كتبت كثيرا وأعود لأقول أن استعداد النهضة والاسلاميين للنقد الذاتي والمصالحة والتوافق كان ولا زال كما هو فأين الاخرين ؟؟؟؟
أما منطق "هلك الناس" فلن يقدم شيئا بل إنه يقدم خدمة بوعي أو بدون وعي لدعاة الاقصاء والاستئصال ... وليس من الحكمة في شيئ ... ولا من العدل في شيئ ... بل ولا من السياسة في شيئ ...
أما أنا فأقول أن الخير موجود في تيارات الوطن بقطع النظر عن أحجامه في كل تيار ... وأن العقلاء موجودون في كل تيار ... وظني أن خير البلد لن يأتي إلا بالتقائهم في كتلة تاريخية اليوم أو غدا ...
ومع كل ما يقابل به الاسلاميون من جحود وتنكر فإن صدورهم أوسع وقلوبهم أكثر تعقلا لما فيه مصلحة الوطن ... حتى في أكثر لحظات التنكر والغدر ....
تاريخ أول نشر 2024/7/10