search

الإخوان المسلمون، لماذا يَطلبُ رأسَهم الجميعُ؟ - محاولة فهم -

1. الشعوب العربيّة في مختلِف دولها ضدّ الحكّام. هذا استثناء عربيّ لا استثناء لهم غيره. الحكام لا تختارهم الشعوب بل يُفرَضون عليها فرضا. يحرصون على كراسيّ حكمهم أكثر من حرصهم على الشعوب التي يحكمونها، لذلك اقتصرت عنايتهم على الأجهزة التي تشدّ الحاكم إلى الكرسيّ لتمنعه من السقوط عنه. هذا الوصف عامّ يشمل جميع بلاد العرب بلا استثناء. وليس من الصدفة أنّها ممنوعة من الديمقراطيّة. تبقى الشعوب عند باب الديمقراطية تريد فتحه لتدخل منه إلى حداثتها، ولكنّ الحكّام يقفون في وجهها يقطعون عليها الطريق. منذ قرابة قرن والشعوب العربية تبحث عن تغيير لا يأتي. وما دام التغيير مطلبا فإنّ الأزمة قائمة.

فمن الذي علّم العرب من محيطهم إلى خليجهم أنّ الديمقراطية لا تليق بهم ولا تتكلم لغتهم؟ من الذي حرّمها عليهم؟

2. العرب لم يلتحقوا بالزمن الحداثيّ الأوروبيّ. أوروبّا التي قادت حملاتها الاستعمارية إلى البلاد العربية هي التي نقلت نسخة ملوّثة من حداثتها إلى بلاد العرب. الذي يجعل النسخة ملوّثة خلوُّها من الحرية لأنّها كانت حداثة بطعم الاستعمار. كان التحديث قسريًّا استُثنيت منه الحريّة لتبقى الدولة العربيّة الحديثة قروسطيّة في أدائها السياسيّ. لا تنفتح من الحداثة إلّا على ما يقوّي قبضة الجلّاد. الحاكم يستعمل التحديث في منع الحداثة. الحداثة لا تعدو سلاحا بيد النخبة تشهره في وجه المجتمع.

3. بذلت الشعوب كلّ وسعها في تحرير أوطانها وقدّمت في سبيل ذلك ضريبة عالية. فكان أن نشأت هذه الدول "الوطنية" التي لم تكن أكثر من وريث للقوى الاستعمارية المغادرة. يكفيك أن تنظر في ما حقّقته الدولة الوطنية للشعب لتتساءل عن حقيقة علاقة هذه الدول بهذه الشعوب. بل يمكنك أن تتجاوز ذلك إلى التساؤل عن جدوى هذه الدول أصلًا. هل من قيمة أضافتها منذ قيامها؟ هل كان الاستقلال أكثر من ذكرى للاحتفال؟

4. كانت نشأة جماعة الإخوان المسلمين في مصر ردّ فعل على سقوط الخلافة العثمانية. نظام الخلافة نظام امبراطوريّ وقد كانت اللحظة لحظة أفول الامبراطوريات. في أوروبا كان البديل لديهم جاهزا، الدولة الأمّة لترجمة حداثتهم السياسيّة. وكان إسقاط الخلافة المعاندة مقدّمة لبدائل مطيعة. فكانت الدولة "الوطنية". وقد ورثت أسوأ ما في القديم وشرّ ما في الجديد. كأنّ رسالتها حفظ التخلّف في النطاق العربيّ، ليظلّ العرب في طريق نموٍّ لا يأتي.

الإخوان لم يكونوا دولة. كانوا جماعة. الجماعة نشأت بعد الإمبراطورية (القديم) وقبل الدولة (الجديد). منطق الجماعة كان مقدّمة لبناء الأمّة على منوال يناسبها في وعي متقدّم بأنّ ما يحاك لها من بدائل لإدارة السياسة بها لن يكون في صالحها.

بعد عشرين سنة من نشأة جماعة الإخوان جاءت نكبة فلسطين. جيوش الدول العربية لم تكن، فقط، مقصّرة في الدفاع عن فلسطين، بل كانت مسؤولة عن ضياعها. وما أنجزته الجماعة في مواجهة نكبة فلسطين لم تنجزه الدول بصيغة جمعها.

5. الدولة الوطنية نشأت من رحم الاحتلال. سرقت الاستقلال وأبقت على الكيان الذي تحكمه ملحقا بالدوائر الاستعمارية التي انسحبت جيوشها. تشكيل الجيوش في ظلّ الدولة الوطنية لم يكن لحماية الوطن. الجيش كان أداة لخدمة الحاكم. الحاكم لم يكن وطنيًّا ولكنّه كان هو قائد الجيوش الأعلى. وفي هذا خلل. ينقلب الجيش على السلطة. يستولي على الحكم. فيمنع التنمية في الداخل بدعوى أنّ بناء الدولة وحمايتها من "أعداء الداخل" مقدّمان على كلّ شيء. وإذا خاض حربا ضدّ عدوّ خارجيّ خسرها وأضاع الأرض.

الدولة الوطنية لا يجتمع لها ربحان. تخسر حربها مع الخارج لأنّها تكتفي بربح حروبها التي في الداخل.

6. الإخوان شاركوا، من خارج الدولة، في حرب 1948. والتاريخ يقول إنّهم قد أبلوا البلاء الحسن وقدّموا لفلسطين ما لم تقدّمه الجيوش النظاميّة. وهم، الآن، يتصدّرون المقاومة في طوفان الأقصى، في نسخة حماس.

تفهم الدول العربية ذلك فتتواطأ مع العدوّ لتسحقهم. الإخوان الذين يجتمع عليهم الاستعمار العالميّ بجناحيه الأمريكيّ والأوروبيّ والصهيونيّة العالميّة والدول العربيّة وجماعات الإرهاب الوظيفيّ وجماعات اليسار العربيّ والقوميّون العرب هم الاقتراح الأقدر على الحياة. يمكن أن تنظر إليهم بوصفهم اقتراحا واحدا من بين اقتراحات تتنافس في مصلحة الأمّة، لا يملكون الحقيقة المطلقة ولكنّ من الظلم أن تجتمع النقائض عليهم ليكونوا وحدهم الشرّ الذي في الأرض.

كلّما بالغت الدول والنخب في مهاجمة الإخوان جاءت فلسطين لتشهد لهم بالفضل. وأمام فضلهم يتورّط خصومهم الذين لم يجتمعوا على شيء اجتماعهم على مهاجمتهم. ورطتهم تأتي من تناقض منطقهم ومن قصورهم عن الإقناع.

7. في أيام الربيع العربيّ استُقبل قادة حماس في تونس استقبال الأبطال ولقوا من الدعم ما لم يلقوه قبل ذلك ولا بعده. ولعلّ عقاب الشعوب العربية على ربيعها إنّما كان بسبب ما لقيته المقاومة في فلسطين من دعم لا مشروط من شعوب الربيع العربيّ ومن الحكومات. وقد شهد بذلك وزير الزراعة الصهيوني في حواره مع قناة العربية حين قال "إنّ قوّة حماس إنّما كانت بفضل السنتين اللتين حكم فيهما الإخوان المسلمون مصر.. وتحديدا مع حكم محمّد مرسي. في هذين السنتين جلبوا من إيران كل المواد العسكرية، عن طريق السودان ومصر إلى قطاع غزّة. قبل 2011 كانوا يهرّبون. بعد ذلك وحتى 2013 كانوا ينقلون البضائع إلى غزة بطرق قانونية. من ذلك اجتمعت لهم قوّتهم".

اليوم غزة تخوض حربها ضدّ الاحتلال وحدها. ولعلّ ما جعل الجميع يتركون غزة وحدها أمام حرب الإبادة التي تشنّ ضدّها أنّ قيادة المقاومة فيها هي حماس، وحماس امتداد للإخوان المسلمين الذين اجتمع الناس عليهم لإبادتهم.

لا أظنّ هؤلاء الفرقاء قد اجتمعوا على غير القضاء على حماس ومن ورائها الإخوان. الأمر يحتاج إلى وقفة تأمّل. السردية السائدة التي اجتمع عليها هؤلاء الفرقاء لا يمكن أن تكون في مصلحة هذه الأمّة التي تداعى الأعداء على تدميرها، حتى صار لها من أبنائها أعداء.

المشكلة أنّ الأمّة لا تزال تجترّ روايات صنعتها أروقة المخابرات الناصريّة في مصر والأسَدية في سوريا. وهذا لم يعد لائقا. الأصل أن نشكّك في رواية السلطة لا في رواية خصومها.

تاريخ أول نشر 2025/9/4