search

الحركة الديمقراطية الجديدة أو تحالف المعتدلين

من أهم الأفكار التي دافع عنها الحبيب بوعجيلة في مقاله الأخير:النهضة/التيار الإسلامي شرط الديمقراطية وموضوعها هي أن النقاشات الدائرة حاليا داخل حركة النهضة وهي تستعد لعقد مؤتمرها الحادي عشر، هي نقاشات لا تهم النهضويين لوحدهم، لأن الحياة الداخلية للحزب الأول في البلاد لها إنعكاس على المشهد السياسي وبالتالي، فإن الإسهام مع النهضة في التفكير في شأنها والتفكير حولها وعنها لا يعد ترفا فكريا ولا تدخل في الشأن الداخلي ولا تطفلا على نقاش قد يبدو ظاهريا لا يهم إلا مناضلات ومناضلي الحزب.

كما يرفض الحبيب بوعجيلة محاولات البعض تناول الشأن النهضاوي لا من المنطلق الديمقراطي والوطني الساعي لبناء الحركة الديمقراطية الجديدة، وإنما الإشتغال في الحديقة الخلفية لتشغيل محركات التجاذبات الداخلية من أجل نصرة شق أو جناح مفترض على شق أو جناح آخر.

مما دعوت له النهضويين في أكثر من مناسبة وكانت الحركة في البرلمان وفي الحكومة أن لا يصدروا خلافاتهم إلى الحكومة وأن لا يكرروا خطأ نداء تونس الذي نقل معاركه الداخلية إلى مؤسسات الدولة وأجهزتها، وهو الوريث لمكونات من المنظومتين القديمة والجديدة أو ما كان يعرف بتحالف الروافد. ومما يؤسف له أن النقاش داخل نداء تونس لم يكن حول الأفكار والبرامج بقدر ما كان حول الأشخاص والمواقع. وقد تعثر النداء في التحول من حزب إنتخابي إلى حزب جماهيري، ولم تنجح النواة الإيديولوجية المنحدرة من الحزب الشيوعي أو من رموز اليسار الجديد في أن تمنحه البرنامج والإطار التنظيمي والقانوني الذي يجعل منه حزبا له مرجعية فكرية ومؤسسات ونظم. وقد كان عدد من قادة النداء يضعون نصب أعينهم النموذج النهضاوي كمثال للإحتذاء في تحقيق النقلة المنشودة، والتي لم تنجز للأسف، وغلبت ديناميكية الانقسام قانون الإتحاد، وهذا يؤكد بأن حركة النهضة متقدمة تنظيميا ومؤسسيا ومضمونيا على منافسها الأبرز (وشريكها في نفس الوقت) بمرحلة تاريخية أمدتها بالبقاء والدوام، وحكمت عليه بالإنشطار والتشظي والتراجع.

ولا يعني هذا أن حركة النهضة كانت سريعة الاستجابة لمتطلبات التغيير، أو أنها سريعة التدارك لما يمكن أن يشكل أخطاء في التدبير أو في التقدير. أي أن النهضة وهي الحزب الأول لم تكن صاحبة المبادرة دائما، فقد حصل أن سايرت الشركاء أو أبطأت المسير حفاظا على خيار التوافق ومقتضيات الحكم الإئتلافي، الذي لا يقوم على المغالبة حكم-معارضة، إنما يحتكم إلى التسويات والمحاصصات وتوسيع المشتركات والإنصراف عن عناصر الإختلاف وأسبابه، حتى تستمر التجربة. فكان ترميم التوافق وتعهده بالتحصين، مقدم على إشهار الاختلافات والتباينات، وأحيانا تصرف تلك التباينات الموضوعية في شكل توترات داخل كل طرف من أطراف الإئتلاف لا بينها.

لقد فرض إنقلاب 25جويلية2021على جميع الأطراف تدشين مرحلة جديدة من التفكير والتدبير. إذ وضع دفعة واحدة جميع الأحزاب الحاكمة خارج السلطة، حتى وإن بدا في ظاهره إنهاء لوجود النهضة في السلطة دون غيرها من الأطراف. وحقيقة الأمر أن الإنقلاب ألغى سياسيا لا قانونيا نتائج إنتخابات 2019 البرلمانية، وأطاح بآخر حكومة عينها قيس سعيد وأشرف ديوانه على كل تفاصيلها قبل أن تنهي تبعيتها له وتختار حاضنة سياسية وحزاما سياسيا يستمد قوته ومكوناته من البرلمان.

وقد أشار الحبيب بوعجيلة في مقاله إلى دور مواطنون ضد الإنقلاب ثم جبهة الخلاص في كبح طوح الإنقلاب إلى نسف كامل المنجز الديمقراطي ودفاعهم عن ديمقراطية ممكنة تهيء لها حركة ديمقراطية جديدة تعي ذاتها وتعي لحظتها التاريخية وتقف على عثرات الطريق وأخطاء الماضي لكنها لا تحمل الفشل والأزمة لغير المتسببين فيها.

وقد نجحت تلك النواة المقاومة للإنقلاب في البرهنة على وجود شارع ديمقراطي ووطني يدافع عن الشرعية وعن مكتسبات الثورة، ولم يكن مسؤولا عن أي فشل شاب عملية الإنتقال الديمقراطي، لأنه كان منذ الانفجار الثوري للسابع عشر من ديسمبر وقبله راسخ الإيمان والرهان على الديمقراطية طريقا ملكية للتنمية والنهوض الحضاري، وتفكيك منظومة الإستبداد التي امتدت على قرون وتوارثت الأجيال مقاومتها بالفكرة والحركة التي تتخذ في كل مرحلة شعارا وعنوانا كمطلب تاريخي مستقبلي لها مشروعية في أمجاد الماضي وفي تطلعات الحاضر والمستقبل.

أن دعوة الحبيب بوعجيلة النخبة الديمقراطية الوطنية مرافقة حركة النهضة وهي تنفض الغبار عن طاقات التجديد فيها، وتزيل مكبلاتها بتنشيط عقلها الجمعي للإجابة عن الأسئلة الكبرى، ولتقديم عرض سياسي جديد فيها، تنبيه إلى خطورة ترتيب أوراق المستقبل بعقل يستبطن الإقصاء، ووعي يفوت على نفسه إلتقاط لحظة تأسيس الحركة الديمقراطية الجديدة، التي تستعيد روح حركة 18أكتوبر، مضاف إليها مراكمة المرحلة الثورية والديمقراطية التي غدر بها الإنقلاب، وفي نفس الوقت الذي وضعها أمام مسؤولياتها التاريخية.

إن العرض السياسي الذي ينبغي أن تتقدم به حركة النهضة وأن يتمخض عنه مؤتمرها القادم، يتمثل في تهيئة شروط قيام تحالف المعتدلين، وكذلك بإعطاء كتلة الإعتدال كتلة تاريخية فكرها ومشروعها وبرنامجها.

ولا يكون ذلك إلا بإبراز النهضة طابعها التجديدي، والبرهنة مرة أخرى أنها عرفت كيف تنقذ مشروعها من عملية الإختطاف التي تعرض لها التيار الإسلامي، بطغيان صوت التشدد والتكفير على صوت الإعتدال التعايش، وأنها أحسنت الفهم و التموقع إذ ميزت بين التيار الوطني والفاشية التابعة التي أرادت إختطافه لتكريس الإقصاء ونسف منجز التوافق والتعايش، كما أنها بإبراز الدور التاريخي لتحالف المعتدلين (إسلاميين وعلمانيين ديمقراطيين) تكون كذلك وضعت نفسها في خط إنقاذ الديمقراطية من محاولة الاغتيال التي تعرضت لها من طرف الشعبوية.

إن تحالف المعتدلين يعبر عن المساحة المشتركة بين القوى الديمقراطية الوطنية التي لا تسقط من إعتبارها أي مكون من مكونات المشروع الوطني : الهوية والتنمية والديمقراطية

تاريخ أول نشر 2023/7/19