search

السلطة الجزائرية الحالية وتونس

ليس هناك عاقل بالمعنى العام أو بمنطق السياسة يستعدي شعبا شقيقا قبل أن يكون جارا وحيث طرفه الشرقي متمازج حتى أسريا مع طرفنا الغربي ...

الشعب الجزائري شعب شقيق والدولة الجزائرية دولة شقيقة للدولة التونسية ... هذه مسلمات ...

لكن السلطة "تمشي وتجي" والتاريخ شهد ملابسات واحتكاكات في نفس الوقت الذي شهد تعاونا ونجدة واحتضانا ....

تونس احتضنت الثورة الجزائرية، والزيتونة خرجت جزءا من النخبة الجزائرية التي حمت الجزائر من "حزب فرانسا" وقبل ذلك أطلقت شرارة ثورة 1 نوفمبر حتى نيل الاستقلال .... والجزائر قامت بجهود لا تنكر في مساعدة تونس، ومنها أنها لم تقدم الا في حالات محدودة جدا على تسليم من فر إليها من القمع السياسي في تونس ....

لكن ليس من السياسة أيضا أن ننكر أن السلطة في الجزائر انحرفت أحيانا عن مسار العلاقة العقلانية والاخوية. وعندما نذكر ذلك لا نطعن في الجزائر لا كشعب ولا كدولة، بل نوجه النقد للسلطة التي تورطت في ذلك، والتي تقدم الشعب الجزائري نفسه والدولة الجزائرية نفسها أحيانا وحاسبتاها. وبعض الحوادث المؤسفة في العلاقة معروفة مثل حادثة قفصة وغيرها ...

وفي الوضع الحالي، فإن إنكار تورط النظام الجزائري في دعم الانقلاب مكابرة ومحاولة لطمس الحقيقة التي تعاني تونس من ارتداداتها ....

نحن لا ننكر على الدولة الجزائرية النظر لمصالحها، ونعرف أن في السياسة إكراهات وموازين قوى ووضع جيوسياسي يفرض نفسه ...

ولكن هذا لا يبرر أن تنخرط السلطة الجزائرية في ما لا يرضاه الشعب الجزائري لتونس الشقيقة، ولا ترضاه الدولة الجزائرية من منظور حقائق الجيواستراتيجية التي تحكمها الجغرافيا والتاريخ والدين والدم الواحد الذي يجري في عروق الشعبين والدم الواحد الذي أريق في ساقية سيدي يوسف وغيرها .... ....

وفي حين كانت الجزائر تراعي كل ما ذكرت من المعطيات، واتخذت موقفا محمودا في العموم في عهد بوتفليقة تجاه الثورة التونسية وتونس، وليس ذلك بالضرورة على حساب مصالحها، فليس منتظرا أن تشجع نظاما سياسيا نقيضا للنظام الذي تحكم به الجزائر ...

فالنظام الجزائري لم يرحب بالثورة من هذه الزاوية، وسعى إلى أن يكون تدخله معتدلا، لا يظهر العداء للثورة والشعب وقواه الجديدة، وفي نفس الوقت يساهم في "تنقية" الوضع الجديد من الأشواك البارزة التي يحيط بها نفسه، والتي لا يتحمل النظام الجزائري وخزها ....

يعرف المتابعون للوضع الجزائري أن الحراك الذي حدث هناك سنتي 2018 و2019 واقض مضجع النظام واسقط رؤوسا وقواعد لعبة، لم يتمكن من "قلب المعادلة". وأن الذين استولوا على السلطة في أعقاب سقوط بوتفليقة ومنظومته، لم يخرجوا عن القاعدة "التسلطية" الماضية، بل وللأسف تعاملوا مع الوضع بمنطق الثأر والانتقام وزيادة التشدد والتشبث بالممارسة السلطوية القديمة ...

وفي هذا الإطار يأتي الموقف من الانقلاب على الثورة في تونس، والدعم الواضح الذي يتلقاه قيس سعيد من الجزائر ...

وما تنقله مراكز الرصد والبحث ليس "إذاعة قالوا "، و حتى الحشد الذي ملأ فنادق العاصمة منذ يوم أو يومين لم يكن اعتباطيا ...

والسكوت عنه وعن غيره لا يعني أن الذين كانوا وراءه سيراجعونه، أو أن من سيسكت عنه سيكبر في عين "السلطة الجزائرية" الحالية، فلن يردعها عن غيها السكوت من التونسيين ....

وكخلاصة أقول أن العلاقات التونسية الجزائرية تضررت كثيرا أكثر مما ربحت من ممارسات سلطة ما بعد الحراك الجزائري. ولا أعتقد قيد أنملة أن الشعب الجزائري الأبي، والدولة الجزائرية بتقاليدها في احترام إرادة الشعوب، وهي تقاليد من إرث ثورتها المجيدة، تقبل هذا السلوك الذي تضررت منه تونس ... والضرر الذي يلحق تونس سيمتد تأثيره إلى الجزائر بشكل أو بآخر .... فما يصيب جارك فكأنما وقع في دارك ...

تاريخ أول نشر 2025/12/17