search

الشيخان : الفكر والسياسة والعمل

هيمن إسم الأستاذ(الشيخ)راشد الغنوشي على أسماء باقي المؤسسين من غادرنا منهم إلى جوار مولاه ومن لايزال بيننا نسأل الله الرحمة والمغفرة للجميع

ومن بين المؤسسين علم على رأسه نار كلما تكلم أو حضر مجلسا أو ناديا إلا وملأ الدنيا وشغل الناس وهو الأستاذ (الشيخ) عبد الفتاح مورو إبن العاصمة تونس وخريج المدرسة الصادقية وكلية الحقوق والعلوم السياسية وتلميذ العلامة الفاضل بن عاشور

عرف عن الشيخ مورو الذي تقلد رئاسة مجلس نواب الشعب قبل أن يستلم منه المشعل رئيس الحركة ورفيق الدرب راشد الغنوشي تبرمه من التنظيم الحزبي وقوانينه الصارمة ومؤسساته القيادية ولكنه لا يقل تأثيرا كلما أستشير أو إنتدب لمهمة أو دعي لمؤسسة قرار أو استشارة عن أي قيادي آخر من السابقين أو من اللاحقين

فهو شخصية نابهة وبراجماتية مع قوة حجة وبيان

ورغم أنه لم يزاحم على منصب أو موقع فكلما سنحت المناسبة قدمه الشيخ الغنوشي للإمامة والخطابة والتدريس والتمثيل السياسي

منظر الحركة هو الغنوشي بالأساس ولكن مهندس بعض منعرجاتها التاريخية هو رفيقه مورو

يبحث الأستاذ عبد الفتاح صاحب الجبة التونسية والعمامة عن الصواب لا عن الإجماع وهو يعلم أن لا إجماع في السياسة بل أغلبية وأقلية ورأي ورأي مخالف وقد كان في أحايين كثيرة صاحب الرأي المخالف

هو نصير الغنوشي عند الشدائد وعندما يقل النصير وهو الصوت الناقد عندما يزين الأتباع نزعات المغالبة وتأخذهم نشوة الكثرة والفوز على الصديق قبل الخصيم

وبمقدار إنطلاق لسانه داعية ومحاميا وسياسيا بمقدار كبحه جماح الاندفاع والضغط على الفرامل في المنحدرات والمنزلقات

يبدو الغنوشي رجل فكر ومورو شخصية عملية وهذا ليس إلا جانبا من الحقيقة فوراء تفكير الغنوشي التأليفي سجالات العقل الجماعي وتلاطم التيارات المختلفة كروافد تصب في نهر عظيم هو العقل الإجتهادي

وخلف مواقف مورو المثيرة للزوابع والجدل أو المحركة للسواكن وللمياه الراكدة ثقافة غزيرة ونظر عميق في خيبات الماضي السحيق والقريب ودراية لا نظير لها بموازين القوة وبإرادة عكس تيار التاريخ وحركته القاهرة

وددت من وراء هذه المقالة أن ألفت الإنتباه والنظر إلى أن الحركة التونسية الإسلامية أصيلة في معاصرتها وأن فكرها وأدبياتها ليست بضاعة مستوردة ورغم قناعتي بأن مفكرا أو فيلسوفا واحد يكفي لتأسيس مدرسة فكرية أو بناء نظرية أو نسق فلسفي فإني شديد الثقة بأن حركتنا لم تكن عالة على فكر جماعة أو تيار من خارج تربتنا ولم تكن مدونة في حواشي مدونة أخرى وأنها على النقيض من ذلك أنتجت نخبتها وأنضجت أطروحاتها الخاصة بها

واليوم عندما تترجم كتب رئيسها إلى لغات العالم وتعقد حول فكره الندوات في الجامعات المرموقة أو يدعى رموزها للحديث والمحاضرة في شتى المنابر والمؤسسات فلأن لها تمايز عن باقي التجارب وأن في تمايزها مفاتيح لفهم تجربتها الخاصة ولفهم باقي التجارب

وإني وددت أيضا التنبيه إلى أهمية دور الشيخ مورو مؤسسا ورائدا وناقدا وفي تصفح مسيرته ومواقفه مجال فسيح للباحث في التاريخ وفي الذاكرة وتنبيه إلى أن الأستاذ مورو لم يقل بعد كلمته الأخيرة وأن غيابه كغيره من الرموز الوطنية في هذا الظرف التاريخي الذي تمر به الأمة والوطن ليس إلا دعوة لنا للعودة إليهم ودعوتهم لقول كلمة تجول بخاطرهم نحتاج إليها حاجة كل شعب إلى حكمائه في المنعطفات المصيرية....