search

العجمي الوريمي ... والعمر ما خلدت من صحف العلا .. وقد فعلت ولا زلت ...

يقضي اليوم الأخ العزيز العجمي الوريمي الأمين العام لحركة النهضة ذكرى ميلاده وراء القضبان، في إيقاف تحفظي تجاوز نصف السنة وفي ملف فارغ لا شيئ فيه إلا ما يشين القضاء والقانون والدستور.

لم يكن السجن غريبا عن العجمي فقد لبث فيه السنين الطوال، ولم يكن الظلم والعسف والإقصاء بعيدا عنه منذ أن قرر أن لا يساوم على حريته وكرامته وعقيدته.

وكلما أمعن الظالمون في النيل منه زاد هو من كبريائه وتحديه وإصراره. غير أن صمود "الهيثم" وقوة شكيمته وتعاليه على الجراح مما يزيد من "جنون" خصومه وأعدائه و"عجب" أصدقائه وأحبائه. رجل آتاه الله من هدوء البال وإشراقة الوجه والتواضع الجم والبساطة البعيدة عن كل أوجه التكلف والرضا بحالة الكفاف بل ما دون ذلك ... فكيف يجمع الله بين هذا وذلك في شخص واحد؟! شخصيا لم أر ذلك إلا في الهيثم.

لقد تعاشرنا وتساكنا وجمعتنا الليالي الطوال والأيام المديدة، رأيت الهيثم وهو صامت يتأمل وأراه دائما مبتسما باشا، لكنني لم أره يوما غاضبا أو ممتعضا أو متأففا ... لم أره يوما ... لا أذكر أنني رأيته يوما بتلك الحالة ... ألأنه لا يحصل له ذلك ؟ أشك في ذلك ... فما هو إلا بشر ... لكنني أغبطه على ما آتاه الله من قدرة على التعامل النفسي مع تلك الحالات، حتى لا يخرج منه ما لا يود للآخرين أن يروه من أصدقاء لا يحب إيلامهم، أو خصوم لا يود لهم أن يفرحوا بحالات ضعفه.

لعلني كتبت مرة أنه من السخف أن تقول للناس أنني صديق العجمي ... ذلك أنه صديق الكل ... حتى الذين قرروا ليلة 30 من مارس 1982 أن يكون أحد أهدافهم الرئيسية في "مجزرة منوبة" يقولون أنه صديقهم ... وبعضهم يفتخر بذلك.

ومما لا ينقطع منه العجب، أنني لم أرى إنسانا لديه تلك القدرة العالية على التعامل مع كل إنسان بما فيهم خصومه الألداء، معاملة من يتعامل مع العقلاء وبأخلاقية عالية، تجمع بين التقدير لكلامهم، والانتباه لأفكارهم، ودون أن يخالط ذلك مما يسود بين البشر عامة من آراء مسبقة أو استخفاف أو غير ذلك. وكل ذلك دون أن يتطرق إليك الشك من أنه غافل عما ينطوي عليه الكلام او السلوك من "حيل" و"دوافع". أعترف أنها حالة عجيبة لم أكد أراها في غيره ... وأجد شخصيا صعوبة كبيرة في تمثلها والعمل بها.

ربما وجد العجمي مشكلة في تفهم الكثيرين لشخصيته المتفردة، وربما لاحظ كيف أن البعض لم يقدرها، وحتى اعتبر صاحبها لا يخلو من "سذاجة" ... لكنه لا يبالي، ويضع كل ذلك في بحر سماحته واطمئنانه النفسي وإيمانه العميق .

لم يعرف العجمي بيننا بكثرة عباداته الظاهرة، حتى أن أحدهم تحدث عما يشبه المفاجأة بما لاحظه في العجمي في السجن من اهتمام واستغراق في الصلاة وقراءة القرآن! لكن يبدو أن عبادة القلب لديه قد غلبت عبادة الجوارح، وهي بلا شك أولى، فهي المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله، كما يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم.

يعلم الله أنني لم أكن ممن يستطيب مدح الناس وخاصة الأحياء وخاصة أصحاب النفوذ أيا كانوا ... ولأنني كما يقول بعض السلف: لا نأمن خواتم البشر ... لكنني أيضا لا أحب أن يغمط حق الأخيار، ولا أن يدفن جهدهم، أو أن يبخس دورهم ... وخاصة خاصة عندما يمتحنون. فضلا عن أن ذكر مناقب الكبار ضروري كي يستلهم منها الناس ما يصلح طريقهم، كي يواصلوا مسيرة الكدح النبيل إلى الله.

لقد كتبت في ما مضى حول العجمي رجل الفكر والسياسة، وهو أهل بأن يكتب عنه المزيد ... وما هذا النص إلا لمسة وفاء لأخ عزيز وصديق صدوق، نذر حياته لله أولا وقبل كل شيئ، ثم للعدل والحرية والكرامة للانسان كل إنسان.

فسلام عليك أخي العجمي في محبس الظالمين، ولا أشك أنك وأنت هناك تستذكر قولة شيخ الاسلام ابن تيمية : "ماذا يفعل اعدائي بي ... أنا جنتي وبستاني في صدري ... وسجني خلوة ..."

سلام عليك في تفكرك وتأملك، وعبادتك وصبرك، وتوقك ليوم قريب، يستعيد فيها شعبنا حريته وكرامته، وتكون كما أنت دوما، علما في ساحات البذل والعطاء والبناء ...

تاريخ أول نشر 2025/1/8