search

الغنوشي رجل التعايش والتوافق ... بحث في الجذور

نشر الشيخ راشد الفنوشي مقالا بعنوان "نحو تعايش سلمي بين العاملين للإسلام"، على ثلاث حلقات في مجلة المعرفة، لسان حال الجماعة الاسلامية بتونس، صدرت في الأعداد 4 و5و6 من السنة الرابعة، بين أكتوبر 1977 وفيفري ( فبراير ) 1978، باعتبار أن المجلة كانت تصدر وفق التقويم الهجري.

لم يكن المقال مجرد دعوة عامة لتجنب ظواهر "سلبية" بين العاملين للاسلام داخل تونس وخارجها، حتى وإن حرصت إدارة المجلة على التنويه بذلك في الحلقة الثانية من المقال، حيث ألمحت أنه لا يخص الواقع الداخلي لـ "الجماعة " في تونس وإنما هو خطاب عام.

وإذا كان مفهوما تجنب المجلة والشيخ نفسه التلميح فضلا عن التصريح، بما يفيد أن المقال تفاعل مع واقع غير مرغوب داخل جسم "الجماعة"، إلا أن النخبة القيادية لا شك أنها تعرف مقاصد النص، ولربما كان رد الفعل على المقال صادر عن إحدى دوائر الجماعة التي رأت فيه ما استفزها.

لقد كانت مناسبة المقال، ما أسفر عنه اللقاء القيادي الموسع، الذي عقدته الجماعة خريف 1977، وكان جدول أعماله، الحوار مع نائب أمير الجماعة الشيخ احميدة النيفر حول المواقف النقدية التي ما فتئ يصرح بها، حول رؤية الجماعة في التنظيم والحركة وفي منهج التغيير والعلاقة بالمجتمع، والتي يمكن تلخيصها في نقد الرؤية الإخوانية المهيمنة على الجماعة.

كان الشيخ احميدة قد نمت رؤيته النقدية شيئا فشيئا من خلال احتكاكه بثلة من الكتاب الإخوان العرب والمصريين بالأساس، الذين فارقوا الجماعة بعد تجربة تنظيمية مرة، و كذلك من خلال كتابات الشيخ محمد الغزالي ومقالات عبد الله أبوعزة في مجلة الشهاب اللبنانية، ومشاركته مندوبا عن الجماعة في ملتقيات خارج تونس، أتاحت له فرص التعارف مع مثقفين وحركيين إسلاميين آخرين لهم رؤاهم النقدية، وقد تجمع أغلبهم حول مجلة المسلم المعاصر التي أسسها وأدارها الكاتب الاسلامي الاخواني سابقا جمال عطية. كما كان لعلاقته بأخيه المرحوم مصطفى النيفر الذي يحمل رؤى نقدية وثقافة واسعة تأثير عليه، يضاف إلى ذلك ما أتاحه له موقعه كرئيس تحرير لمجلة المعرفة، من متابعة متقدمة للواقع السياسي والثقافي داخل تونس وخارجها، من خلال المجلات الفرنسية والعربية التي كانت تقتنيها المجلة، وكذلك إشرافه على اللجنة السياسية للجماعة.

ورغم أن الشيخ احميدة النيفر وحتى سنة 1976، كان من المتحمسين للعلاقة مع الإخوان، إلا أن ما تراكم لديه من رؤية نقدية، وما تحمله شخصيته من تطلع للتغيير، في إطار حس مَديني، بقدر ما حمل من عناصر الأصالة والتقليد، إلا أنه يتطلع أيضا إلى المعاصرة التي تتجاوز العزلة والانغلاق المجتمعي التقليدي التونسي أو السلفي الإخواني الوافد.

ومع تنامي حدة الجدل داخل الأطر العليا للجماعة، وبروز بوادر "احتكاك" تجاوز الأبواب المغلقة، وبدأ يتسرب للوسط القاعدي، رأت الجماعة وعلى رأسها الشيخ راشد، أن تدعو قيادات الجماعة المركزية والجهوية للقاء موسع، يبسط فيه احميدة وجهة نظره حتى تفهم أولا ويتحاور معه في شأنها ثانيا.

لكن اللقاء لم يحقق مع الأسف الغاية النبيلة التي من أجلها قرر. فقد كان احميدة النيفر في تقديم وجهة نظره "حديا" وربما أقرب للعدمية، وخاصة في دعوته حل الجماعة والدخول في مرحلة تفكير وحوار حول البديل. وهي رؤية قوبلت برد فعل "عنيف" اتخذته وجهة النظر المقابلة. ولم تفلح محاولات الشيخ راشد في تقديم رؤية تعدل من حدة خطاب احميدة، ودون أن تنغلق على الرؤية التقليدية التي يتبناها عدد غير يسير من قيادات الجماعة، التي ترى في التجربة الإخوانية نموذجا ومثالا يحتذى، في نفس الوقت الذي تنظر فيه بعين الريبة للأفكار التي يطرحها احميدة. فقد انبرى للرد على احميدة بعض القيادات بحدة وتشكيك، ازداد تطرفا وخروجا عن المألوف بعد مغادرة الشيخ راشد والشيخ احميدة والشيخ عبد الفتاح اللقاء لبرنامج سابق. ويبدو أن اللقاء خرج عن السيطرة فزاد نقل ما حصل فيه لاحميدة الوضع تعقيدا.

فوجئ الشيخ بما حصل، فقد كان من المفروض أن يتوقف اللقاء على الأقل في الحديث عن احميدة بما أنه لم يعد حاضرا. لكن الذي حصل أن اللقاء استمر، واستمر معه النقد "العنيف" لاحميدة، وأثار ذلك غضب صلاح الدين الجورشي - الذي كان هو أيضا قياديا وعضوا بالمجلس التنفيذي ويتبنى أفكار احميدة - فخرج من اللقاء.

في ذلك الإطار يتنزل مقال: "نحو تعايش سلمي بين العاملين للاسلام".

ذلك النص يعد من هذه الزاوية وثيقة تاريخية بالغة الأهمية، تعكس طريقة التعاطي مع "جنين" ما عرف بداية بـ "اليسار الإسلامي" ثم لاحقا بــ"الإسلاميون التقدميون". ويكشف عن مخاض التحول داخل الجماعة الذي سبق "زلزال" احداث 26 جانفي (يناير) 1978. وهو الحدث الذي تؤرخ له حتى أدبيات الجماعة على أنه المفصل في تحولها وخروجها من غربتها واغترابها عن مجتمعها. لكنني أقدر أن الحدث وإن كان له أثره الفاعل، إلا أنه في الحقيقة كان تراكما كميا لمخاض بدأ مبكرا وتنامى مع الأيام، وبدأت إرهاصات الانتقال تبرز شيئا فشيئا، - ومقال الشيخ موضوع هذا النص واضح الدلالة على ذلك - حتى تحول التراكم الكمي الى تحول نوعي مع الحدث الذي لم يزلزل فقط الحركة وإنما تونس بأسرها .

من خلال ذلك المقال، سنفهم استراتيجية الشيخ راشد في التعامل مع أول امتحان للتنظيم الذي يقوده. وكيف استطاع أن يصوغ ويمارس تلك الاستراتيجية بين راشد الغنوشي المفكر الحر المتطلع أبدا للتغيير بل للثورة، وراشد الغنوشي قائد التنظيم والجماعة التي يهيمن عليها منظور حركي سلفي إخواني بالأساس.

خلاصة تلك الاستراتيجية: استعداد فكري ونفسي لاستقبال "رياح التغيير" في العقل والسلوك، واشتغال على "ترويض" جسم تنظيمي مبني على المثالية والمطلقات والتقديس، من أجل الاستيعاب المتأني للأفكار الجديدة، ببيداغوجيا تحاول استعمال "أدوات" التفكير الحركي والعقائدي التقليدي و"الإنزياح التدريجي" نحو "التأصيل" أولا ثم "الانفتاح" ثانيا.

تستطيع أن تلحظ تلك المنهجية في بناء المقال من خلال حلقاته الثلاث. فقد كانت الحلقة الأولى، تأطير عام مستند إلى ما في الواقع من جدلية بين التعايش والتحارب داخل المجتمع الواحد وحتى في الإطار العالمي. وكان خطاب البحث عن التعايش السلمي في ذلك الوقت أحد مفردات الساحة السياسية العالمية، وحتى العربية، وخاصة في العلاقة مع الكيان الغاصب (معاهدة السادات). هنا يحاول الغنوشي تخليص فكرة "التعايش" و"السلمية" من التشويه الذي لحقها حتى تكون مصطلحا قادرا على حمل الشحنة الإيجابية المطلوبة.

أما الحلقة الثانية من المقال، فقد كانت تذكير بالنصوص : "قال الله ... قال الرسول". وهي اللغة التي يفهمها ويدين لها ولا يستطيع تقبل غيابها الجزء الأكبر من أبناء الجماعة حينذاك. فقد كانت الحلقة حديث عن واجبات المسلم، في علاقاته بين الإخوة وبين المسلمين وبين بني الإنسان قاطبة، من حرمة التعدي على العرض والمال والدم، بل وواجب الدفاع عمن تنتهك حرمته كائنا من كان، وتجنب ما يمس من ذلك، بدء من الغيبة والنميمة وسوء الظن وعدم التماس الأعذار مما هو مبسوط في كتب السنن والرقائق والآداب العامة.

وأما الحلقة الثالثة فهي مربط الفرس، حيث يقترب الشيخ من ملامسة الواقع أكثر، ويقوم بعمليتي "الحفر والهدم" للتصورات وللسلوكات، من أجل إعادة بناء العلاقات على أسس تتمسك بالمبادئ، إلا أنها لا تخلط بينها وبين الرؤية المثالية المليئة بالمطلقات والبعيدة عن التمثل الواقعي للطبيعة الانسانية.

ينطلق الشيخ راشد من القاعدة المشهورة للإمام البنا - وإن كان هناك من ينسبها للشيخ رشيد رضا - : "نتعاون في ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا في ما اختلفنا فيه". وهو مدخل يجعل "ابن الجماعة" مستعدا للاستماع، إذ القاعدة إخوانية وعلى لسان مرشدها. ثم يبدأ في التفصيل، حيث أننا نتفق على المبادئ ونختلف في الفروع، والتمييز بين المبادئ والفروع فيه اختلاط في أذهان الناس، فليست الفروع مجرد مواصفات ظاهرية أو ثانوية وإنما هي أعمق من ذلك، ويقدم نموذج الصحابة الذين تلقوا تكوينهم من مدرسة واحدة هي مدرسة النبوة، ولكنهم يختلفون في ما بينهم في أشياء كثيرة حتى بدا كل واحد منهم "أمة" برأسه.

ثم يخلص للحديث عن المثالية بدل الواقعية في العلاقات بين الناس. وهي أحد الصور السلبية التي تبنى عليها العلاقات بين أفراد الجماعة. حيث الناس صنفين: أطهار كأنهم ملائكة وأشرار كأنهم شياطين. ومن نحب هو ذلك الطاهر النقي، ومن نكره هو ذلك الآخر. لا بل إن تلك العقلية المثالية يمكن أن تحوِل من نحب إلى من نكره بجرة قلم أو بخطإ عارض!

ومن نتائج تلك العقلية "أن الأتباع لا يرون في شيخهم أو زعيمهم إلا الجانب المشرق الملائكي من شخصيته، فإذا أضفت إلى ذلك ما في تكوينهم الشرعي من نقص، فلا غرو أن تصبح أفعال الشيخ الزعيم وأقواله المقياس النهائي للحق والباطل، ويحل الشخص محل الفكرة، ويغدو الأتباع وكأنهم ازرار يديرها الزعيم كيف يشاء، يحبون من أحب ويبغضون من أبغض، ويقبلون التحول بيسر من الحب إلى الكره أو العكس بمجرد إيحاء من الزعيم. وإذا أحبوا شخصا لم يروا فيه عيبا، وإذا أبغضوا شخصا لم يلحظوا فيه أي خير". ثم يستدل بالقرآن والحديث للدلالة على فساد هذه الرؤية حيث أن القرآن أنصف اليهود أوبعضهم وكذلك النصارى في ما أحسنوا فيه رغم ضلالهم إلى غير ذلك من الأدلة.

تلك النظرة المثالية كان لها آثار كما يقول الشيخ راشد في العلاقات بين العاملين للإسلام (الدعاة). منها "التعصب والمغالات في التقدير والمحبة أو في التحقير والكره"، "حتى تصبح الحركة ردود أفعال متشنجة تحدث في الجسم أخاديد عميقة". ومنها "العجز الذهني في تقييم أوضاعنا وأوضاع خصومنا موضوعيا"، ونتلبس بإنكار الحقائق الموضوعية التي تثبت عجزنا وتخلفنا مقابل نجاح خصومنا في الدوائر المجتمعية او الوطنية أو العالمية مع أنه "إذا قام بناء فليس إلا على الحق يقوم. فإذا انهار فبما يلابسه من باطل. وإن الله لا يورث هذه الأرض إلا لمن هو أصلح لعمارتها وأكثر انسجاما مع سننه فيها، ولو كان مصادما لبعض السنن الأخرى. ويبقى البناء قائما ما غلب الانسجام مع السنن على الانحراف عنها، فإذا حصل العكس انهد البناء وانتقلت القيادة إلى يد أخرى أكثر انسجاما مع سنن الله - بوعي أو بدون وعي - وإنما يمتاز المسلم على غيره أنه إذا انسجم مع سنن الله استحق ثواب الدنيا والآخرة بصريح القرآن " (منقول من المقال بتصرف قليل في آخر الفقرة).

ويعزو الشيخ تغلغل هذه العقلية المثالية إلى مناهج التربية والتكوين، التي ركزت كتبها على تقديم صور ملائكية على جيل الصحابة ومن بعدهم، "فلا تسلط الأضواء إلا على البطولات والفتوحات، أما الجوانب البشرية كالخصومات فكأن ذكرها ينقص من قدرهم ويحط من شأنهم فيسدل الستار عليها" "وهذه النظرة المثالية للسيرة، تجعلنا صارمين في الحكم، إذ تتضخم أمامنا أخطاء بعضنا بعضا وتتضاءل الحسنات". ثم يختم بفقرة بليغة: " جميل أن تكون السيرة المطهرة صوت الحادي ينادينا في رفق ويغرينا بغذ السير إلى القمة السامقة، لا أن نتحول معها إلى ما يشبه غرقى بئر ينادون من مكان بعيد لا يصلهم منه غير أصداء لا يعرفون إليها سبيلا فيأخذ عليهم اليأس كل مرصد فيهلكون".

هكذا ينضح النص بجرأة موشاة بلبوس "تأصيلي"، يستطيع " أبناء الجماعة" استساغته. وقد انتصر فيه بشكل غير مباشر إلى النقد الذي قدمه حميدة، لا بل إنه تجاوزه من حيث تجرئته "الأتباع" عليه باعتباره شيخهم وزعيمهم.

ولطالما كنا نردد للشيخ راشد، أنك أنت من علمتنا الثورة على القديم، والجرأة في الحق، والتعامل مع الرئيس ومن قبله الأمير باعتباره بشرا يخطئ ويصيب، أنت من علمتنا الثورة على الأسلوب المشيخي، وأنت من رفضت أن تكون شيخ طريقة، فكنت تحتفي بالحوار، وتستقبل النقد الذي يوجه لك برحابة صدر، كما تستقبل المغالات في النقد بصبر كبير.

ولقد استمر الشيخ يتعامل مع المجموعة وما تطرحه، من خلال حرصه الكبير على أن تستوعبهم الحركة، وأن تجعل من اختلافهم ورؤيتهم عنصر إثراء لها، في نفس الوقت الذي استمر من ناحية أخرى، في استيعاب الإشكاليات التي يطرحونها، وتقديم الأجوبة المناسبة لها، معولا على قدرته البيداغوجية في التمكين لرؤى التجديد في الفكر والحركة في جسم الحركة، وتشجيع الجناح الطلابي للجماعة في طرح تلك الاشكاليات، بروح منهجية أعمق من روح رد الفعل التي اتسم بها طرح حميدة ومجموعته، بحيث لم يكن في الواقع أي تميز لما طرحته المجموعة، ولم تخلو ساحة الجماعة بخروجهم عنها من استمرار الحوار والتفاعل حول تلك القضايا وكان من ذلك ندوات جامع سيدي يوسف الطلابية المميزة وندوات جامع صاحب الطابع.

لم يُقدّر لمحاولات الإبقاء على المجموعة في حضن الجماعة أن تنجح - ويمكن التعرض بالتفصيل إلى الجهد الكبير الذي بذله الشيخ وبذلته الحركة في ذلك -، ولكن في المقابل فإن العلاقة والتلاقح بين الحركة و الاسلاميين التقدميين استمرت بشكل إيجابي مقارنة بالخلافات التي نشأت في أقطار أخرى ووصلت حد التراشق بالتكفير والمروق عن الدين أو العمالة والخيانة، بل إن في اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر اعتراف من الحركة بالدور الإيجابي الذي لعبه الإسلاميون التقدميون في تطور الحركة الفكري.

ولئن ضاقت الحركة على المجموعة كأفراد فاتجهوا للفعل خارجها، فإنه كما اكد الشيخ راشد في تحليله لمكونات الحركة الفكرية، أن "التدين العقلاني" الذي نادت به المجموعة وحاولت تمثله وخرجت بسببه من الحركة، لم يخرج من الحركة، واستمر في علاقات تدافع وتعاون وتنازل مع "التدين السلفي الإخواني" و"التدين التقليدي التونسي" أثمر تلك التطورات التدريجية للحركة الإسلامية التونسية من "الجماعة الاسلامية" إلى "حركة الإتجاه الإسلامي" إلى "حركة النهضة" إلى "حزب حركة النهضة" الذي انتهت مرجعيته إلى "الإسلام الديمقراطي". وكل ذلك تم في سياق من التعايش والتوافق أمكن من خلاله حماية التيار الاسلامي من التشضي إلى تيارات متنافرة ضعيفة التأثير بأسها بينها شديد وفعلها في الواقع قليل أو مضر، كما حصل لليسار في تونس أو يجماعات إسلامية خارجها.

لقد قبل الغنوشي أن يتحمل ما في التعايش والتوافق من تدافع ومضايقة قد تعطل الوصول إلى الأهداف المبتغاة وتأسر الأحلام المرتجاة وتؤخر إلى حين الوصول إلى النتيجة المرجوة، على أن يتحول التدافع إلى تنازع وتصارع يذهب بالجمل بما حمل.

وهكذا قدمت الحركة وتونس على هذا الصعيد، تجربة في التعايش مقدرة، تغلب إيجابياتها سلبياتها.

وبتلك الروح تواصلت مساعي الشيخ في توسيع مجالات التعايش والتوافق أينما حل، داخل تونس وخارجها، داخل الحركات الاسلامية، ومع الحركات المعارضة وتيارات التغيير في تونس وخارجها، إلى مساهماته البارزة في التأسيس للتوافق الوطني خلال عشرية الحرية والانتقال الديمقراطي.

يعرف الدارسون للتاريخ أن هناك فرقا بين القراءة الآنية للأحداث، وبين قراءتها مع تباعد الزمن عن لحظة ولادتها. إذ كلما ابتعدت أكثر، كانت الصورة أكثر صفاء.

وها نحن الآن بالكاد نبتعد عن لحظة عطاء الغنوشي كرجل توافق وطني، فإذا الصورة تزداد مع الأيام نصوعا وبياضا وصفاء، فترسخ مكانته في زمرة المصلحين الكبار والمجددين الرواد في دنيا العروبة والإسلام.

تاريخ أول نشر 2025/9/4