search

النظام البرلماني تكثيف لمعنى ثورتنا فلا تتركوا المتآمرين يعتدون عليه...

الثمالى بدأوا في الاستفاقة واحدا بعد آخر ... أدركوا أن مقولة "موشي ولا غنوشي" أنتجت لنا خطرا داهما ... وان مقولة " كذاب ربيعة ولا صادق مضر" كانت مضللة وكانت "تخميرة" ... بدأ الناس يدركون هول ما أقدموا عليه وهول ما تركوا له العنان ... ممكن تكون العودة للرشد تحتاج بعض الوقت وتحتاج الكثير الكثير من الحكمة من الجميع ... لكنها أصبحت قدرا وليس دونها إلا خطر داهم سيجثم على صدور الجميع وسيحول حقل الحرية خراب بلقع .... أدرك الناس قيمة الحرية ومعنى الحرية ... بل بداوا يدركون يوما بعد آخر أن الكرامة لن تأتي بغير الحرية ...

وبعد أن كان الحديث عن قلب نظام الحكم جملة واحدة كأنه "قدر" آت لا محالة ... لم يعد كذلك بعد أن انتبه الناس للأخدود السحيق الذي هم سائرون إليه ....

لذلك لم يعد الناس يتقبلون بسهولة فكرة تغيير النظام السياسي وخاصة في طريقة تغييره .... كان الشطار يحلمون في أيام الإنقلاب الأولى أن يتم القيام بذلك بمجرد خطاب يلقيه الحاكم بأمره ... لكن مسعاهم خاب ... ولا زالوا يحاولون تمرير ما يريدون بمنطق الأمر الواقع لولا ارتباك صاحب الحمار ... وعدم تمكن حماره عن أكل الدستور ...

ليست المشكلة في تغيير النظام سياسي رغم اهمية ذلك ... المشكلة هل سنحافظ على الديمقراطية أم لا ... المشكلة هل سنحافظ على الحرية أم لا .... نعم تختلف النظم السياسية ولكنه اختلاف داخل الديمقراطية ... فإذا حادت عن ذلك لم تعد نظاما سياسيا صالحا .... ليس هناك فرق جوهري بين النظام البرلماني والنظام الرئاسي إلا في ما له علاقة بالانسجام مع المعطى الثقافي أو بظرفية تبنيه وارتباط ذلك بتوفير الشروط النفسية لتحقيق نقلة وعي وقطع منافذ لعودة نظام هجين يدعى رئاسي وهو رئاسوي تسلطي فرداني .... أو عودة نظام هجين آخر يدعى برلماني وهو لا يعدو ان يكون ساحة تلاعب مصالح وتقسيم منافع ورهن البلاد في يد أوليجارشية متنفذة تدعى زورا وبهتانا حزبا اغلبيا ....

من المنطقي ان يختار التونسيون النظام البرلماني ومن المفهوم أن يكون فيه تعديل لا يجعله برلمانيا خالصا في إطار نفس حساسية الهروب من أن يطل التسلط من جديد في ثوب حزب اغلبي يصبح فيه رئيس الحزب حاكما بدون تفويض شعبي ... الذين صاغوا دستور 2014 انتهوا الى صيغة ليست استثنائية فهناك بلدان اعتمدتها وهي تنعم بالاستقرار ... ولكنها مناسبة تمكن من قطع دابر التفرد بالسلطة والاستيلاء عليها أو تعطيلها .... لكن وككل عمل بشري دائما يعتوره النقصان الذي يدرك من خلال التجربة ووضع النص على محك الواقع .... لم ينتبهوا إلى صورة امتناع الرئيس عن ختم القوانين أو عدم الاشراف على أداء اليمين الدستورية على الحكومة أو بعض أعضائها أو غيرهم من المسؤولين السامين الذين تقتضي تراتيب تعيينهم أداء اليمين الدستورية .... الألبان لما وجدوا أنفسهم امام هاته المعضلة عدلوا الدستور بحيث يصبح أن من حق الرئيس الاعتراض وأن يمارس الاعتراض بالرد للبرلمان و العرض على المحكمة الدستورية ... فإذا امتنع بعد ذلك فمن حق البرلمان إمضاء قراره بنشر القوانين مباشرة وتكون نافذة المفعول ... ويتجاوز أداء اليمين ... وهذا انطلاقا من مبدأ واضح لا لبس فيه وهو أن السلطة التأسيسية للبرلمان وليس للرئيس ... وهذا ينطبق أيضا على الدعوة للانتخابات .....

في النظام البرلماني ولو كان معدلا السلطة التأسيسية والمرجعية النهائية للبرلمان ... وفي النظام الرئاسي أيضا نفس الشيئ .... سلطات الرئيس لا تمس عالم التشريع والتقنين وإنما عالم التدبير الحكومي .. وحتى في هذه فالتجربة الديمقراطية حاصرت الرئيس ولم تعطه منفذا يستطيع من خلاله الاستفراد بالحكم ....

لكنني أقول أن هناك فئة تفضل النظام الرئاسي لسبب مهم وخطير جدا وهو أنه في النظام الرئاسي وخاصة في بلداننا تتمكن من تنفيذ أجنداتها التي لا يمكن لها أن تمررها بشكل مباشر أو عن طريق برنامج ينال ثقة الناخب فتحتمي بالرئيس حين تستطيع اختراق بطانته وتنفذ مرادها ... ولأنه في النظام الرئاسي يمكن لها استعمال الدولة كجهاز لفرض خياراتها بالسلطة الترتيبية التي قد تمرر عن طريقها " البلاوي" اقتصاديا وثقافيا وسياسيا واجتماعيا ...

الخلاصة ان دستور 2014 أعد بإحكام وعناية وبتوافق غير مغشوش وان نظامه السياسيى لازال صالحا بل اثبت الواقع انه الأنسب مع التعديل الضروري لمنع افتئات الرئيس عليه ...

لكن دستورنا كي يكون صالحا أيضا يحتاج بالضرورة الى إصلاحات في النصوص القانونية المتعلقة به ألا وهي قانون تشكيل المحكمة الدستورية والقانون الانتخابي وقانون جديد للاحزاب ونظام داخلي يقطع مع العبث الذي تواطأت على فعله الفاشية والوظيفية والرئيس نفسه.

تاريخ أول نشر 2021/9/11