رغم أنه لا مشاحة في الاصطلاح كما يقولون، إلا أن اختيار المصطلح مسألة ضرورية لبناء قاعدة مفهومية صلبة ... وأن نختار مصطلحاتنا من لغة قرآننا، لا يعد ذلك تعسفا، وإنما اختيار الأصوب نفسيا وبيداغوجيا ومضمونيا. ولا يعني ذلك بطبيعة الحال أن يكون ذلك كيفما اتفق، وإنما أن يكون ذلك مرتبطا بفهم عميق لرسالة القرآن وقبل ذلك لغته.
كلنا يعلم أن مصطلح "الثورة" لا يوجد في القرآن، ولا حتى في الحديث. وتوقعي - ودون ادعاء تقص كامل - أنه لا يوجد حتى في المدونات الاسلامية في مجالات العلوم المختلفة، ربما لوقت قريب، قد لا يكون أبعد من القرن التاسع عشر. يوجد طبعا فعل "ثار"، وقد يكون استعمل لوصف رد فعل فرد أو مجموعة تجاه وضع سياسي قائم، لكن الغالب على ذلك وصف حالة هياج وانتفاض هي أقرب لرد الفعل الغاضب المستطير منها للفعل القاصد والواعي.
لكن الفقهاء والمتكلمين والمؤرخين استعملوا مصطلحات أخرى هي أقرب لروح القرآن وهي : "الإصلاح" إذا كان الهدف تغييرا من داخل المنظومة القائمة. و'الخروج" إذا كان الهدف تغييرا من خارجها. و" القيام" إذا كان إصلاحا عميقا لبنية المنظومة ودون إفسادها.
واقعيا، عند كثير من المؤلفين، يستعمل مصطلحي "الخروج" و"القيام" بحسب مآل عملية التغيير والاصلاح. إذا نجحت عدت قياما، وإذا فشلت عدت خروجا! وهو تساوق مع الموقف الفقهي العام الذي يقول بشرعية المتغلب. خاصة وأن الكتابات تأتي بعد الحدث لا خلاله.
ولا شك أن مصطلح " القيام" أكثر أصالة من "الخروج" . فالقيام أكثر ارتباطا بلغة القرآن، وليس في معناه ما في معنى الخروج من الانفصال، ولا ما في معنى الثورة من الهياج، الذي يسلم حركة التغيير إلى الغرائزية والانتقام أكثر من الإصلاح والبناء.
ومن تتبع فعل "قام" و"استقام" في القرآن يدرك معنى الإصلاح والصلاح والتغيير الايجابي فيه . وهو عندي أنسب من مصطلح "الدعوة" الذي يغلب عليه دعوة من بالخارج للدخول، وهو ما قد يلائم دعوة غير المسلمين منه، أما مع المسلمين فإن المصطلح الذي يلائم أكثر هو "النصح" و"القيام". ولأن فعل القيام لا يستثني صاحب دعوة الإصلاح بل يجعله معنيا بذلك، ولما يوحي به المعنى من التغيير الجماعي. وللمصطلح دلالات إيجابية كثيرة كمعنى اليقظة والعدل والنهوض.
وقد كان الشيخ عبدالسلام ياسين أول من استعمل مصطلح " القومة" مقابل "الثورة" ارتباطا بلغة القرآن وهديه، وابتعادا عما في معنى مصطلح "الثورة" من السلبيات، ولما ارتبط بالحركات الثورية من سلبيات الاستسلام لجانب الهدم في حركتها، وتخلف واضح في جانب البناء، مما جعلها تنتهي في شبه قانون صارم الى عكس ما قامت من أجله في زمن غير بعيد من اندلاعها.
تاريخ أول نشر 14\4\2022