الحدث الدامي الذي خلف ضحايا بين الحوايا والمرازيق في الجنوب التونسي ... يفتح من جديد الوضع على مشاكل الملكية وخاصة ملكية ما سمي بالاراضي الاشتراكية وهي أراضي العروش والقبائل. ورغم أن دولة الاستقلال قد وضعتها تحت تصرف مجالس تصرف محلية ومجلس وصاية في كل ولاية إلا أنه لم يقع التقدم في حل إشكالياتها وتوزيعها وتقسيمها بين العروش والقرى والمدن كما يقتضيه الوضع ووثقت ذلك وقننته. وقد زاد الطين بلة التقسيم الاداري للولايات وخاصة الولايات المستحدثة والتي تم وضع تقسيم إداري لها لم يأخذ بعين الاعتبار تقسيمها على مستوى الملكية المتوارثة للعروش والقبائل أو على الاقل وضع قضية أراضي العروش والقبائل واضحة في اطار التقسيم الاداري وليس تجاهلها .
كنت في بلد خرج من نير نظام شيوعي أمم الملكية ورأيت حجم المشاكل التي دمرت البلد حين تلاعبت النخبة السياسية بقوانين استرجاع الملكية وأصبحت المدخل الذي تم من خلاله نهب الطبقة السياسية للاملاك العامة والخاصة من خلال تحكمها في التراخيص وعبثها بالحجج والملكيات . وقد كنت اسخر منهم و"أتباهى" جهلا بأنه في بلدي لا يمكن ان تجد هذا التلاعب. ولم يخطر ببالي أن دولة الاستقلال وكل المؤسسات التي أنشأتها من المحاكم العقارية ومجالس التصرف ومجالس الوصاية ودفتر خانة تكاد لم تتقدم خطوة في حل الاشكاليات العقارية وخاصة الارضي الاشتراكية.
كان النظام يستعمل عصاه في اخماد ردود الافعال ويترك الامور على حالها. ومن الطبيعي أن تظهر هذه المشكلات في زمن الحرية الذي ما زال مقرونا وبعد 10 سنوات بوضع اقتصادي متردي مما يجعل الناس اسرع للبحث بأي طريقة عن لقمة العيش ولو أدى ذلك الى التحارب ... لا بل وللاسف فالناس في هذه الاوضاع يكونون اسرع ما يكون لاعتماد الطرق العنيفة والمدمرة .... الاضرابات والاعتصامات وقطع الطرق ولما لا التقاتل .
وسط هذه الفوضى يقفز السياسيون الوضيعون وما اكثرهم كتجار الحروب لاستعمال امكانيات الدولة وسلطتها في اصدار الاوامر والقرارات للتصرف في ما لا يملكون من المال العمومي والخاص وكلما ذاقوا طعم الحرام زاد شرههم ، كما يتجاهلون عن عمد المشاكل الحادثة ويتركونها حتى تتعفن وشعارهم : لا يمكن السرقة والنهب في الاوضاع الهادئة.
للاسف عدا الصراعات السياسيوية المدمرة والتي يتم افتعال بعضها افتعالا لا توجد نوايا ولا بادرات جدية لتقديم رؤى وبرامج اجتماعية واقتصادية تستجيب لتعقيدات ارث متراكم من المشاكل -كانت تغطيه العصا - وحالة التداعي شبه التام للبنى الاساسية للخدمات الضرورية بفعل طول الزمن وضعف الصيانة والتجديد في المؤسسات الصحية والتعليمية والمنشئات الحيوية للماء والكهرباء والطرقات وغيرها.
امام هذا الوضع المتردي لا تجد الا احزابا انتهازية ومنظمات تدعى زورا الوطنية، تقودها بيروقراطيات فساد ... نخب تتسابب في النهار وتقتسم الغنيمة بالليل.
تاريخ أول نشر 2020/12/16