search

حذار من الاستمرار في حالة الاستثناء

حضرت ندوة سياسية اليوم الجمعة مساء حول تشكيل الحكومة القادمة دعا إليها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، وأثثها ممثلون عن الأحزاب الرئيسية المتصدرة لنتائج الانتخابات، إلى جانب ثلة من الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي. ما لفت نظري هو أن أغلبية المتدخلين اعتبروا أن نتائج الانتخابات وضعتنا في مأزق، وأن تصدر النهضة لا يعني فوزها، وأنه لا أحد مستعد للتحالف معها باستثناء "ائتلاف الكرامة"، وأنه ليس هناك من مخرج غير رئيس حكومة مستقل يتولى تشكيل حكومة لا تخضع للمحاصصة الحزبية. ويزداد الأمر انسدادا إذا أصرت النهضة على ترشيح رئيسها لرئاسة الحكومة.

وقد قدمت تحليلات كثيرة لتبرير تلك الخلاصة لم تخلو من التناقض و المبالغة و إنكار الواقع و تجاوز الدستور.

وقد بدا لي الأمر محاولة من هذه النخبة للالتفاف على نتائج الصندوق وأحكام الدستور وعملية ابتزاز ظاهرة للنهضة الحزب المتصدر لنتائج الانتخابات. ولا يعني هذا أن التبريرات المقدمة والتي تحمل في ثناياها نقدا للنهضة لا قيمة لها، لكنها لا ترقى إلى أن تجعل من نتائج الصندوق وكأنها لا معنى لها.

تنطلق هذه الآراء من منطلق خاطئ، ألا وهو الاستدراك على حكم الشعب صاحب السيادة ! وهو تصرف أبعد ما يكون عن الديمقراطية . ذلك أن الديمقراطية وكما تمثلها دستور البلاد تقول أن السيادة للشعب يعبر عنها من خلال الانتخاب أو الاستفتاء. والشعب قد انتخب ممثليه بوعي. وكلنا يتحدث عن أن الشعب عبر من خلال نتائج الانتخابات عن وعي ونضج كاملين.

وقد وضع الدستور إجراءات محددة لتشكيل الحكومة في الفصل 89 يقول : " في أجل أسبوع من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات، يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الحزب أو الائتلاف الانتخابي المتحصل على أكبر عدد من المقاعد بمجلس نواب الشعب، بتكوين الحكومة خلال شهر يجدد مرة واحدة .وفي صورة التساوي في عدد المقاعد يعتمد للتكليف عدد الأصوات المتحصل عليها. عند تجاوز الأجل المحدد دون تكوين الحكومة، أو في حالة عدم الحصول على ثقة مجلس نواب الشعب، يقوم رئيس الجمهورية في أجل عشرة أيام بإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر. إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في ّ حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما".

لدينا حزب تحصل على اكبر المقاعد ما عليه إلا أن يمارس حقه الطبيعي بتشكيل الحكومة. ومن الطبيعي والمنطقي أن يتولى رئيس الحزب رئاستها و كل تجاوز لتلك الصيغة خضوعا للابتزاز إنما هو تكريس لحالة الاستثناء. وعليه بما أنه لا يملك الأغلبية أن يقود مفاوضات تشكيل حكومة مع الأحزاب التي تتفق معه في البرنامج المراد تنفيذه. من لا يتفق مع رئيس الحكومة المرشح في شخصه أو برنامجه أو تصوره لتشكيل الحكومة ما عليه إلا أن يرفض المشاركة في الحكومة و يرفض دعمها.

لا يوجد معنى لمواصلة حالة الاستثناء و لدينا دستور حدد الإجراءات واستبق الوقائع ووضع لها حلولا. ونحن لم نخرج عما توقعه الدستور،فلماذا نفتعل أزمة و نبحث عن تجاوز الدستور لمواصلة حالة الاستثناء بدعاوى لا تقف على ساق ؟

إن تكلفة الاستمرار في حالة الاستثناء أشد ضررا في ديمقراطيتنا الوليدة من الخضوع لمقتضيات الدستور وما قد تتطلبه من وقت نخشى به ضياع فرص أو تراكم مشكلات فلن يأتي من وراء الالتزام بالدستور ضرر .

المنطق الديمقراطي يقول لا سيد إلا الشعب وما قرره وظهر في نتيجة الانتخاب أخذ فيه بعين الاعتبار كل الحيثيات. فدعوا الممارسة الديمقراطية تسير بشكلها الطبيعي وابتعدوا عن التعالم والوصاية عن الشعب. والشعب قد أعطي لمجلس نوابه وللرئيس صلاحيات محددة ما عليهم إلا الالتزام بها.

إن إصرار النخبة السياسية على الاستدراك عل قرار الشعب، والتحايل من أجل الالتفاف عليه، ضيع على بلدان كثيرة قبلنا انتهجته، فرصة التثبيت السريع لأعمدة النظام الديمقراطي. وجعلت الاستثناء يمتد ليجاوز العقدين، وهو استثناء انعكس على أوضاع البلاد الاقتصادية والاجتماعية بمزيد من الاضطراب والتحلل والفوضى.

تاريخ أول نشر 2019/10/26