search

حركة النهضة وتجربة الحكم : من المعارضة الإحتجاجية إلى بناء الديمقراطية

النشأة

نشأت الحركة الإسلامية المعاصرة في تونس كصحوة تدين في مجتمع عملت دولة الإستقلال على تشكيله خارج إطار ثوابته الثقافية والحضارية ووفق منوال تبعي تغريبي وضمن مدار حضاري يولي وجهه نحو الغرب الأروبي وظهره لحاضنته الإسلامية العربية.

وقد قادت حركة النهضة عملية الإحياء الإسلامي والنضال ضد الإستبداد كما خاضت معركة الوجود والتجديد قبل أن يتحقق في البلاد المنعطف التاريخي الأهم منذ الإستقلال بانتصار ثورة الشعب التونسي رائدة ثورات الربيع العربي كتتويج لنضالات الأجيال المتعاقبة والتيارات السياسية المتظافرة من أجل الكرامة والحرية والعدالة والتنمية.

من مقاومة الإستبداد إلى بناء الدولة الديمقراطية

على إمتداد ثلاثة عقود شهدت العلاقة بين حركة الإتجاه الإسلامي ونظام بورقيبة ثم حركة النهضة ونظام بن علي فصولا متعاقبة من التدافع والمواجهة ترجمتها المحن المتتالية من محاكمات سياسية وملاحقات وحصار وتهجير وتشريد وتنكيل بغاية إجهاض حلم الإحياء الإسلامي والمشروع الديمقراطي الوطني والإستقلال الحضاري.

وقد دفع الأحرار ومن ضمنهم نساء النهضة ورجالاتها وشبابها كلفة النضال ضد الإستبداد والفساد والتبعية من أنفسهم وأجسادهم وحريتهم وأعراضهم دون أن يحيدوا عن خطهم الإصلاحي الوطني المعتدل المقاوم في ظل تنمر الغرب والصهيونية ضد كل ماهو إسلامي مجدد ومقاوم كما تفننت الأنظمة النيوكولنيالية التابعة في التنكيل بالشعوب وإرساء أنظمة حكم فردية ووراثية ومناويل ثقافية تغريبية ومناويل تنمية تخدم مصلحة فئات وجهات محظوظة على حساب الشعب المفقر وعلى حساب الجهات الداخلية التي أصبحت عمقا مهمشا ومحروما من التنمية ومن أبسط المرافق الحياتية حتى غدت صاحبة المصلحة الأولى في التغيير فانطلقت منها الإحتجاجات والإنتفاضات وكانت أبرزها ثورة الحرية والكرامة (17 ديسمبر - 14 جانفي 2011) التي دشنت مسارا للإنتقال الديمقراطي ضمن ما يعرف بموجة الربيع العربي.

الإسلاميون والحكم : التطبيع مع الدولة وبناء الديمقراطية

طرح على حركة النهضة التونسية التحدي الأكبر في تاريخها بطي صفحة الإستبداد واستقبال عهد جديد يعاد فيه صياغة المشهد السياسي ومراجعة كبرى للأولويات والخيارات الوطنية.

لقد أصبح الإنفتاح السياسي وبناء ديمقراطية تعددية إدماجية وتفكيك منظومة الإستبداد الأمنية والقمعية والأقصائية خيارا إستراتيجيا لإخراج تونس من تأخرها الديمقراطي التاريخي والدخول للحداثة السياسية من أوسع أبوابها بتصفية التركة الإستبدادية وإحلال دولة المواطنة محل طبائع الإستبداد.

وقد استوجب ذلك تأهل حركة النهضة كبرى الحركات السياسية في تونس بعد أن تم حل الحزب الحاكم زمن حكم بن علي وإسقاط كل مرجعيات السلطة التي هزمتها ثورة الربيع العربي دستور مكتوب على المقاس وبرلمان ومجلس مستشارين في خدمة الحاكم الفردي.

وتمثل تأهيل الحركة في تجديد هندستها القيادية وهيكلتها التنظيمية وخطها السياسي وموقعها من الدولة ووظيفتها السياسية والمجتمعية.

وقد ترجم المؤتمران التاسع والعاشر هذا التوجه الجديد وهما المؤتمران الأولان بعد الثورة وفي ظل العلنية والشرعية القانونية وبعد أن أصبحت الحركة حزبا شريكا في الحكم .

التحديات والمنجزات والأخطاء

كان على حركة النهضة (الإسلامية) التي أصبحت تعتبر نفسها تيارا من تيارات الإسلام الديمقراطي يتمايز نسبيا عما يعرف بحركات الإسلام السياسي أسوة بحزب العدالة والتنمية في تركيا.

كان عليها وهي الوافدة على الحكم أن تبرهن على عدم التعارض بين الإسلام والديمقراطية وعلى دعم خيار المصالحة الوطنية الشاملة ونهج الإنتقال الديمقراطي على قاعدة التوافق السياسي مع المكونات المخالفة بما في ذلك التوافق والتسوية التاريخية بين منظومة الثورة والمنظومة القديمة وإقامة حكومات إئتلافية والمشاركة فيها عقب كل إنتخابات عامة أو عند أي تحوير في تركيبة الحكومات المتعاقبة .

وقد بينت هذه التجربة وعودها وحدودها حسب الشروط والممكن التاريخي وكانت الحركة حسب ظروفها واستعداداتها تؤثر وتتأثر حفاظا على الخيار الإستراتيجي المتمثل في تجذير الديمقراطية التشاركية في التربة التونسية المشبعة بأشواق الحرية وعناصر الهوية الإسلامية العربية وكما أوجزها الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بناء "دولة مدنية لشعب مسلم".

الخاتمة

تعرضت تجربة الإنتقال الديمقراطي لنكسة بمفعول تصاعد موجة من الشعبويات التي تغذت من أخطاء السنوات العشر الماضية من عمر الثورة التونسية.

وقد مثل انقلاب قيس سعيد يوم 25جويلية 2021 ردة عن مسار الإنتقال الديمقراطي وهدية ثمينة للثورة المضادة والدولة العميقة المتربصتان بثورات الربيع العربي فكانت حالة الإستثناء (الدكتاتورية الدستورية) إيذانا بتوقف قطار الديمقراطية ثم انحرافه التام عن سكته بالخروج عن الإطار الدستوري بزعم تصحيح المسار الثوري وقد أدخل البلاد نفقا مظلما من خلال فرض منظومة حكم فردي وشعبوية مبتذلة ورثة طرحت على القوى الديمقراطية والوطنية مهمة تشكيل جبهة واسعة للنضال من أجل عودة الديمقراطية وبناء بديل سياسي مجتمعي قائم المشترك الوطني وعلى تقويم المسار وعدم تكرار أخطاء الماضي.

تاريخ أول نشر 2022/2/12