search

حول زياد كريشان ومقاله

لا يجادل أحد في مكانة زياد بين أهل الرأي في الاعلام التونسي مقروئا ومسموعا ... ولولا الفجاجة والاستفزاز الذين ظهرا في مقاله لاستقبل بصورة عادية خاصة وأنه أتى "بعد خراب مالطا"، ولم يكن عندما وجب أن يكون، وعندما رفعته أقلام حرة وتجاهلها هو وغيره .

تابعت زياد في بعض حصص "ميدي شو" وكان يعجبني تحليله في الغالب ... غير إنني لاحظت أنه يفقد اتزانه بشكل غريب كلما تعلق الموضوع بالنهضة ... وأزعم أنني من الذين لا يضيرهم مطلقا توجيه النقد لها، وقد مارست ذلك بنفسي، ولي نصوص كثيرة، وبعضها استفز جدا بعض أجنحة النهضة. لكن ما لاحظته عموما أن زياد في موضوع النهضة غير قادر على سلوك سبيل الموضوعية، مما يشي بشيئ يتجاوز الاختلاف الفكري أو السياسي معها.

لست أعيب عليه أي موقف يتخذه، حتى ولو كان بعيدا عن الموضوعية، فهو حر في ذلك ... لكنني كقارئ ومتابع من حقي أن أعلق على ما يصدر عنه ... وأنا الذي لا أفتر مطلقا من الدعوة إلى جمع التونسيين على ما أسميته "الحد الأدنى الإنساني والحد الأدنى الديمقراطي " ...

وأحب أن أذكر زياد في تاريخ يريد أن يطمسه من سيرته، وكثير من الناس يجهلونه ... أن النهضة بل الجماعة الاسلامية بتونس والاتجاه الاسلامي هما اللذان تعلم في محضنهما الحرف وتتدرب على الكتابة طيلة عشرية السبعينات ... عندما كان ناشطا في القطاع الطلابي، وفي المكتب السياسي للحركة، وكاتب مقالات في مجلة المعرفة إلى حين إيقافها عن الصدور بقرار جائر من النظام ... بل أريد أن أذكره أن مقالاته استمرت تصدر في مجلة المعرفة حتى بعد أن تشكلت نواة الاسلاميين التقدميين أو ما عرف وقتئذ باليسار الاسلامي وانفصلت عن الجماعة الاسلامية بتونس ... استمر يكتب هو وصلاح الدين الجورشي فيها، بل إن صلاح استمر رغم انفصاله عن الجماعة وتأسيسه مع البقية لحركة جديدة، استمر صحفيا متفرغا ( يتقاضى أجرا شهريا ) في مجلة المعرفة، وبعد إيقافها انتقل إلى جريدة الحبيب إلى أن أوقفت هي الأخرى ... لا بل إنه استمر حتى بعد ذلك .

نعم أحب زياد أم كره، فقد تعلم الانفتاح على الواقع في أحضان الجماعة الاسلامية، وتدرب على النقد داخلها، ولم تضق ذرعا به، وفتحت له ولغيره نشرياتها يكتب فيها قبل أن يدخل عالم الإعلام.

يمكن لزياد أن يتجاهل كل ذلك، وأن يسعى إلى طمسه في سيرته، لكن التاريخ لا ينسى ولا يتجاهل .... يمكن له أن يكون ناكرا للجميل بل جحودا، ولكن عليه أن يدرك أن فضيلة الوفاء وفضيلة الاحترام وفضيلة الإنصاف تمنع الرجال أن يصدر منهم ما صدر منه ... وهذا ليس له علاقة بخروجه من الحركة واختلافه معها ... فلم يكن هو الوحيد الذي خرج منها ولن يكون الأخير ... ولكن الناس معادن ...

العجيب أن زياد تجاهل أيضا أن تلك الأسماء التي خصها بالدفاع والتنويه، أنها كلها تقف مع النهضة، وتشترك معها على قاعدة المشترك الديمقراطي، ورفض الانقلاب، والوقوف ومن أول وهلة بكل وضوح ضده، في الوقت الذي كان زياد "ينمق الحرف" و"يقيس ويغيص" حتى لا ينزلق به قلمه إلى ما لا قدرة له على مجابهته، فلم يعرف لزياد نضال سياسي وحقوقي خلا فترة الجامعة التي كان فيها عضوا نشطا في الاتجاه الإسلامي. أما بعد ذلك فقد اختار "النضال" من وراء المكاتب المحمية برضا السلطان، أو على الأقل المحمية من غضبه.

تاريخ أول نشر 2025/12/2