كما كان متوقعا أثار موقف الإخوان المسلمين من عدوان الكيان على إيران جدلا في البيت الإخواني فضلا غيره. وهو اختلاف قديم، والإخوان تيار هو عبارة عن طيف تتخلله ألوان عدة، وليس تنظيما حركيا أو حزبيا بالمعنى الضيق للحركة والحزب.
كان الجناح السلفي/الوهابي متوجسا من إيران منذ اندلاع ثورتها، وتصدر الخميني وجناح الحوزات لزمام الدولة فيها. وظف هذا الجناح بشكل انتقائي الموروث الفقهي والعقدي للمدرسة السلفية من أجل تجذير الخلاف مع إيران في إطار عملية توظيف مباشرة وموضوعية من الأنظمة الحاكمة، زادتها ردود أفعال شيعة المنطقة وانخراطهم في مشروع تصدير الثورة الذي تبنته أجنحة نافذة في إيران وعمقته الحرب الإيرانية العراقية، حيث امتد أثره لجناح الاخوان العراقي.
مع الجناح السوري تجاوز الموقف الاعتبار "العقدي" إلى الاعتبار السياسي، حيث أدى التناقض بين خيار الإخوان والمعارضة السورية وموقف إيران الدولة من النظام السوري إلى تعميق الخلاف العقدي بتوفر مبررات اعتمد عليها الجناح السوري في تأكيد البعد الطائفي/الفارسي لدولة إيران، وتغليب المصالح على المبادئ.
كذلك كان الوضع في اليمن ودعم إيران للحوثي ودوره التخريبي للربيع اليمني ودعمه في انقلابه ساحة لاحتداد الخلاف وتوسع الشقة بين الطرفين.
ومع أن الجبهة اللبنانية كانت إلى حدود الربيع العربي توفر رؤية مختلفة وصلت إلى مستوى التحالف والتعاون بين أحد أهم أجنحة الإخوان متمثلا في المراقب العام الأول المرحوم فتحي يكن وقبله سعيد شعبان، وفي نفس الوقت علاقة غير متوترة وفيها أقدار من المتاركة مع بقية الجناح الإخواني، إلا أن انخراط حزب الله في الثورة المضادة السورية وولوغه في الدم السوري ومشاركته مشاركة فاعلة مع إيران في المجازر السورية لم يترك للصلح سبيل ولا أمل.
ورغم أن ما حصل في سوريا قد خيم بظلاله القاتمة على الموقف الإخواني عموما، إلا أن وقوف إيران وحزب الله مع المقاومة الإخوانية في غزة وفلسطين ظل يفرض نفسه على المعادلة.
وإذا كانت حملة الشيخ القرضاوي على الشيعة بعد جهوده الكبيرة في مجال التقريب، والمعركة التي دارت بينه وبينهم، قد ألقت بظلالها على العلاقة بين الطرفين، فإن الاخوان عموما اعتبروا ذلك الاختلاف سياسي بالدرجة الأولى وليس عقائدي، وأن الشيخ وإن كان محقا في مواجهته للأجنحة المتطرفة داخل البيت الشيعي، إلا أن ذلك لا يجب أن يمس بحال الموقف العقائدي العام والذي لم يقترب منه الشيخ القرضاوي نفسه للأمانة.
أما على مستوى التقدير السياسي استراتيجيا وتكتيكيا، فإنه يبقى مجال الأخذ والرد.
لذلك نلاحظ أنه وإن غلبت على "علماء" المدرسة الاخوانية نزعة اليأس من الوصول إلى حل مع الشيعة، فإنه قد غلبت على "مفكري وسياسيي" المدرسة الإخوانية نزعة التفريق بين الاختلاف العقدي والاختلاف السياسي، وأن الخلاف مع إيران وحزب الله يبقى في دائرة الاختلاف السياسي مهما بدت نتائجه على الأرض أحيانا دموية. وهم في ذلك متسلحين بالوعي التاريخي للأمة التي شهدت مراحل فتن بعضها كان مبكرا جدا و بعضها كان بين أبناء الطائفة الواحدة ولكنه لم يمس الموازين العقائدية الكبرى التي لم يشذ عنها علماء الأمة الذين يعتبرون الشيعة فرقة من فرق المسلمين ومذهبهم أحد مذاهب الأمة التي يتعبد بها. ولم يشذ عن ذلك شيخ الاسلام ابن تيمية - وقد كان من أكبر منتقديهم - الذي ينسب إليه باطلا ما يروجه بعض داعاة التكفير.
ومن الطبيعي أن تكون أجنحة الإخوان الأخرى تلك التي لم تحتك بشكل مباشر بالمشاكل الطائفية سواء في مصر أو المغرب العربي أو غيرها من البلدان أقل تشنجا في التعامل مع الموضوع.
وفي كل حال فإن موقف الجناح الرئيسي للإخوان، برغم انتقاداته وتحفظاته وحتى تنديده أحيانا بموقف إيران الدولة من بعض الملفات، أو التحركات المسترابة لبعض أجنحة الشيعة التي تمارس عملية التشييع العقائدي وليس فقط السياسي، وما أدى إليه ذلك من ممالأة الأنظمة التي ناصبت الإخوان العداء. برغم كل ذلك إلا أنه في المواقف الفاصلة والتي تقتضي موقفا مبدئيا أو ترتبط برؤية استراتيجية هي أقرب للموقف المبدئي منها لتقدير موقف، كان موقف الإخوان فيها مع إيران بدون تحفظ، كما هو موقفهم من الحرب الإيرانية العراقية، أو حرب حزب الله مع الكيان، أو الحرب التي تدور رحاها الآن.
كثيرون ممن يختلفون مع الاخوان، وبعضهم هم دائما ضدهم ظالمين أو مظلومين، انتفضوا وينتفضون في كل مرة ضد الإخوان. فإذا كان قرارهم بناء على تقدير موقف راهن أو مرحلي، فهم متلونون ضيعوا المبادئ وخانوا عقيدتهم، وإذا وقفوا موقفا مبدئيا فهم أغبياء ولا يفقهون في السياسة شيئا!
ومن نافل القول أن نقول أن الإخوان لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، وهم جزء من الأمة بكل ما تحمل من عناصر القوة وعناصر الضعف، وهم جزء من واقع الأمة المعقد الذي يرزح تحت وطأة استعمار لم يغير إلا تكتيكاته وطريقة هيمنته على الأمة وتحكمه في فضائها المادي والمعنوي.
لكنه يحسب لهم، ولا يمكن أن يزايد عليهم أحد، في أنهم لم يغيروا ولم يبدلوا في كل ما له علاقة بتحرر أمتهم من نير الاستعمار وعلى رأسه قضية الأمة المركزية فلسطين، وفي الانتصار لكل شعوب الأمة وللإنسانية جمعاء في قضاياها العادلة وعلى رأسها التحرر من العبودية والاستغلال وحقها في الكرامة والاستقلال.
لكل ذلك فإن موقف حركة الاخوان في هذه المعركة منسجم تماما مع رؤيتها العقائدية والسياسية ومع تاريخها الذي يكاد يغلق قرنه الأول.
تاريخ أول نشر 2025/6/19