search

خطابات الإخشيدي

كان بورقيبة وهو محام، ولا تنقصه القدرة الخطابية، يعهد لوزيره الشادلي القليبي صياغة خطبه، لما تتميز به صياغته من وضوح وسلاسة. وكان القليبي يعرض ما يصوغه على مجموعة صغيرة من كبار رجال الحزب والدولة كالوزير الاول ومدير الحزب.

وكل ذلك يدل على ما يتمتع به الجميع من حس المسؤولية، ومن فهم لما تقتضيه نوامس الدولة، وأيضا تقديرا للمتلقين من الشعب والنخب والاطراف الخارجية.

وكان بن علي، وهو المنعوت دوما بمستواه العلمي المتدني يسير نفس السيرة، فيعهد لكبار رجاله في القصر أو الدولة أو الحزب، وكلهم أساتذة جامعيون كبار مهما انتقدنا مواقفهم السياسية. وربما بدا رجال الصياغة (الكتبة) في عهده أكثر تعقيدا في صياغتهم مقارنة برجال الدولة الاوائل، وذلك مرتبط بملاحظة عامة في امتلاك ناصية اللغة والقلم وتأثير العجمة ولو غير المباشر، إلا أنها كانت خطابات موزونة ودقيقة تحترم المتلقين.

جاء المرزوقي، وهو رجل قلم وفكر، واعتمد الإلقاء المباشر غالبا، مستعينا بورقة بها رؤوس أقلام امامه غالبا، فترك لزلات اللسان ولعدم السلاسة مكانا يؤثر بشكل او بآخر على مضمون خطابه ويبعثر اهتمام متلقيه.

وجاء الباجي، الذي اعتمد على مراسه وبديهيته، ومزجه الطريف والذكي بين الدارجة والعربية، وحلاوة الاستشهاد بالنص القرآني والشعر والامثال والنكت. قد يخطئ ولكنه لا يضجر سامعيه.

ثم جاءنا الإخشيدي بكل شيئ عجبا. صوت مزعج، وعربية "مكسرة"، وتعابير وتوصيفات من زمن التتلمذ، ومعان مطمورة في صخب الكلم، وتمسك بالشكليات وحتى الكليشيهات القديمة أيام الإنشاء المدرسية.

لا أخفي انني انبهرت بفكرة الخط العربي المميز، كخط مميز لمراسلات ومراسيم الرئاسة، وقد عشت بالمغرب، ورأيت كيف أن المراسيم الملكية وكل ما يصدر عن الملك يصدر بخط مغربي مميز. لكننا لن ننخدع بالمظهر عندما يكون المخبر خاويا، ولن نفرح برئيس "يكتب ويميل في راسه"ويضع الأختام بنفسه، ويسلم الرسائل لمدير تشريفاته ليعطيها صاحب البريد! انه الغباء وخفة العقل.

كيف تفرح، عندما تتابع بعض البلاغات الصحفية، وفيها تدخل للرئيس ليكتب بعض جملها من صياغاته هو التي لا تخطئها عين المتفحص المتابع. وتقول في نفسك هل هذا رئيس أم حاجب لا بل كاتب؟

ولينتشي من يرى "الوجه التراثي النضير" في ما يأتيه رئيسنا القادم من كوكب آخر، لا أتوقع أن فيه بقية من مضر وربيعة ولا بني أمية وبني العباس .... ولله في خلقه شؤون.