ظهور الفنانة خولة سليماني أمس في إذاعة ديوان أف أم، بعد انقطاع عن عالم الاعلام غير الاجتماعي كان لافتا ... لم أكن أتابعها من قبل، ومررت عرضا باسمها، وقد يكون شاهدت لقطة أو لقطتين لها في أحد القنوات التلفزية ... ولم يبق في ذاكرتي شيئ ذا بال من ذلك ...
كانت أقوى جملة قالتها: " كنت في داموس ظلام ... وخرجت للنور" ...
تجارب الهدى و زيادة الهدى تجارب ذاتية جدا ... حتى وإن بدت بعض مظاهرها الخارجية موحية ... فما هي إلا مظاهر أو علامات ...
الانسان كائن عجيب، مركب شديد التركيب، ومعقد شديد التعقيد ... والمركب "الكيمياوي" الذي يستخلص من مكوناته الثلاث الرئيسية: العقل والجسم والقلب بكسوبهم وموروثاتهم، لا يظهر منه للناظر إلا النزر القليل ... ويبقى الانسان لغزا لا يعلم حقيقته، ولا يكشف كنهه إلا خالقه، ونفسه التي بين جنبيه ...
في الحوار لقطات كثيرة تسترعي الانتباه، ومنها ما له مساس بالعلاقات الاجتماعية ... ومنها قدرة الانسان على تحويل المظاهر السلبية إلى عناصر إيجابية دافعة على المستوى النفسي، في حين يسقط آخرون حيالها في مهاوي الضياع والانفلات، وأحيانا الانكسار الذاتي والاستسلام لرد الفعل القاتل الذي يزيد من محنته ... ومنها عندما تحدثت عن أصدقائها القدامى حيث قالت بكلمات بليغة وموجعة: "غربلت فلم يبق في الغربال شيئ".
تبدو خولة في ما قبل تحولها هذا، شخصية لا توحي بأنها تعيش أزمة أو تمزقا نفسيا، تبدو سعيدة ... لكنها في داخلها لم تكن كذلك ... تبدو للناظر من خلال مستوى معيشتها وعلاقاتها ومحبيها و "فانسها" من أسعد الناس ... ويتمنى الكثيرون الوصول إلى مستوى ما هي عليه أو ما يقربه ... لكنها تفاجئنا بقولها أنها كانت في "داموس" !
درس كبير ... ليست هي أول من تبوح به ... المظاهر خداعة، والابتسامات والضحكات العالية خداعة، والتعبير عن مشاعر السعادة والراحة والطمأنينة خداع ... والانسان فيهما "ممثل بارع"، يخدع المتفرج حتى يخيل إليه أنها الحقيقة فيضحك لضحكه ويبكي لبكائه ويغضب لغضبه ...
خولة سليماني ... ذكرتني بنجاة الصغيرة، تلك الفنانة الرقيقة بصوتها وبضحكتها وبسمتها الخارجي الذي يوحي بكل مظاهر الراحة، وبغنائها الذي أسهر عيون المحبين، ووله لآهاته العاشقين، وكان رفيق الشباب، ورسول التناجي بين الأحباب ...
لا يخالجك أدنى شك أن صاحبته عنوان السعادة، وأن روحها مثال للطمأنينة والسكينة والرضا اللامحدود ... لكن ... حين تقول نجاة الصغيرة على إثر أول عمرة تؤديها: "إن السعادة التي كنت أبحث عنها طوال عمري لم أجدها إلا هنا ... في الحرم المكي والحرم المدني" .... تصاب بالصدمة ... وتقول هذا جنون ... عن أي سعادة تبحث نجاة الصغيرة التي كاد اسمها يلتصق بها ؟
حقيقة لا أبالغ إن قلت لكم أنني لما قرأت تصريحها ذلك في حوار صحفي منذ سنوات صدمت. لم أكن للحقيقة من مستمعيها ... أبدا ... لكنني كنت ألاحظ وأتابع وَلَه بعض أصدقائي بها .. كما ألاحظ سعة انتشار أغانيها، وعشق قطاع واسع جدا من الجمهور العربي، ولا سيما الشباب، في ثمانينات القرن العشرين وقبلها وبعدها بها ...
لما قالت خولة سليماني أنها كانت في "داموس" .... كشفت عن تلك المظاهر الخادعة لنا ولها ايضا، لأن الانسان قد لا يكتشف أنه كان في داموس إلا بعد الخروج منه.
لذلك كما قالت - وكما نعرف - تحمد الله بلا حد ولا عد الذي أكرمها بهدايته ... فهي من أفضاله على عباده ...
ولكن الله الذي يمُن على عباده بالهداية ... إنما يستجيب سبحانه لما فيهم من بذار الفطرة النقية ... ومن السعي الذي يبذلونه بحثا عنه أو تقربا إليه ... "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" ....
كان أكثر ما رددت خولة في حديثها، الدعاء بأن يثبتها الله على ما هي عليه ... ونحن ندعو لها بذلك ... فاللهم ثبتها على ما هي عليه من الإيمان وزدها منه ... واختم لها بخاتمة السعادة ... ولنا جميعا ...
تاريخ أول نشر 2025/5/12