search

رأي في الإخوان المسلمين

1. لن تجد جماعة مثل الإخوان تُستدعَى موضوعَ حديثٍ في السلم كما في الحرب. لو لم يكن للإخوان غيرُ كونهم موضوعا لحديث الناس العاجزين عن الكلام لكفاهم. الدول الغربيّة تهاجمهم. كيان العدوّ يتوعّدهم. الدول العربيّة على اختلافها تتّهمهم. أجهزة أمنها تلاحقهم. المعارضات اليساريّة واليمينيّة تتناهشهم. هذا يكفّرهم وذاك يخوّنهم. حتّى جهَلة الإعلاميّين من المتمعّشين من وظائفهم الذين لم يكونوا قد سمعوا، من قبلُ، بهم يشاتمونهم بما لا يفهمون من أقوال فيهم أُمليت عليهم. ما من حيوان ناطق إلا وقد أخذ من سبّ الإخوان نصيبا مفروضا، كأنّه بسبّهم يثبت نسبته الوجوديّة.

2. الإخوان هؤلاء.. هل هم أكثر من اقتراح فكريّ سياسيّ من جملة مقترحات متنافسة تعرض نفسها على جماهير الشعب في ما ينبغي أن يكون من أطروحاتٍ رهانُها تحريرُ الإنسان وتحقيق العدل في الأوطان؟ هل انقلبوا؟ هل اغتصبوا سلطة؟ هل جُرّبوا ففشلوا؟ هل باعوا؟ هل خانوا؟ هل حكموا البلاد كما حكمها غيرُهم ليساءَلوا كما لا يساءَل الذين حكموا فأفسدوا فمُجّدوا كما يمجّد "زعماءٌ" كلُّ الذي فعلوه أنّهم اختطفوا أوطانا وأهدروا ثرواتها ونكّلوا بالإنسان فيها وخسروا الحروب وفرّطوا في الأرض؟ هل ظلم الإخوان أحدا؟ هل قمعوا خصما؟ هل أعدموا مخالفا؟ هل أتلفوا ثروة؟ هل خسروا حربا أو فرّطوا في أرض؟ ما الذي فعلوه ليجتمع عليهم كلّ هؤلاء، إلّا أن يكونوا أهل فضل يخشى منه الذين لا فضل لهم؟

3. صورة الإخوان الغالبة صنعتها دول عسكريّة حكمت البلاد العربية في مرحلة ما من تاريخ العرب الحديث جعلت من مقدّراتها المختلفة وسائل دعاية لها وكان من وظائفها تشويه مخالفيها والتنكيل بهم. وقد سارت تلك الدعاية السوداء في اتجاهين: اتجاه تمجيد الحاكم الإله الذي لم يجُد الزمان بمثله واتجاه تشويه الإخوان كما كان يفعل الاستعمار بسكّان البلاد الأصليين في كلّ بلاد يحتلّها مستعمرٌ غربيّ. تعامل مختلِف الدول العربيّة مع الإخوان تعامل إباديّ من جنس تعامل المحتلّين مع كلّ بلاد يحتلّونها. فهل نجحت تلك الدول في شيء يمكن أن تبرّر به إبادتها للإخوان في سبيله؟

4. قالوا عنهم، لوصمهم بالخيانة، إنهم صناعة بريطانية وكان ذلك وصفا مرسلا لا دليل عليه ولا معنى له. والحال أن الجميع يعرفون أن القوميّة العربية هي التي صنعتها بريطانيا لتضرب بها الدولة العثمانية وتفكّ اللارتباط بين العروبة والإسلام. أمّا الشيوعية فلا تعدو فكرة وافدة في ثنايا الحركات الاستعمارية التي اجتاحت الأمّة بدءا من القرن 19.. أطروحة استشراقيّة تصلح لمهاجمة المرجعيّات التقليدية لتحلّ محلّها كما لو أنّها دين جديد. القومية العربية والشيوعيةّ حكمتا بعض دول العرب فهل حرّكتا حجرا من مكانه؟ ولكنّهم بدل أن يلتفتوا إلى أنفسهم فيقفوا وقفة مراجعة انهالوا على الإخوان بأكاذيبهم. ولقد كان هؤلاء في كذبهم على الإخوان تلاميذ نجباء لجوزيف غوبلز وزير الدعاية النا زي الشهير.. "اكذب اكذب حتّى يصدّقك الناس". ورغم أنّ الناس لم يصدّقوهم بعد كلّ هذا التشويه فاختاروا الإخوان في كلّ استحقاق انتخابيّ كانوا في اختيارهم أحرارا، رغم ذلك لا يزالون يردّدون اسطوانة تشويه الإخوان كأنّها شرط بقائهم على قيد الخطاب. وهل كانوا، يوما، أكثر من ألسنة حداد لتزييف الخاب؟

5. الإخوان لا يقدّمون أنفسهم بالقياس إلى أحد. بينما يقدّم خصومهم أنفسهم بالقياس إليهم. فما ذنبهم؟ الجميع من حولهم يجرمون ويُتجاوز عن جرائمهم ما عدا هم يُنسب إليهم من الأخطاء ما ليس لهم.

يبدو لي أنّ ذنب الإخوان الوحيد أنهم تيار يعتمد الدين مرجعا في التفكير وفي السياسة في زمن صار فيه الدين مطرودا من المدينة البشرية الكونيّة. الإخوان المسلمون.. الإسلام السياسيّ.. التطرّف الإسلاميّ.. أسماء يتداولها أصحاب أطروحة إقصاء الدين من المجال العامّ. المسيحيّ من حقّه أن يمارس السياسة واليهوديّ من حقّه أن يدعوَ بدينه إلى السياسة. أمّا المسلم الذي يرى أنّ الحياة في عمومها لا تنفصل عن الدين لأنّ حركة الإنسان في الحياة غير منفصلة عن الشعائر العباديّة، فيبنغي أن يظلّ منبوذا مخافة أن يعود المسلمون كما كانوا إلى قوّتهم التي "كافحت" الدولُ الغربية مجتمعة لانتزاعها منهم. أليس من حقّ الإخوان المسلمين أن يشاركوا بفهمهم وأن يروا أنّ "الإسلام هو الحلّ" لما تعيشه الأمّة من تخلّف منذ قرون؟ أليس من حقّهم أن يعرضوا رأيهم وأن يناقَشوا فيه وأن ينافسوا؟ فلماذا يُستبعدون من المجال العام؟ ومن الذي يأمر باستبعادهم؟ لماذا تُستبعَد فرضية أن يقدّموا للأمّة ما يخرج بها من مآزقها؟ لماذا لا يُسمَع لهم؟ لماذا لا يُخلّى بين الناس وبينهم؟

6. يقولون عنهم إنّهم يتاجرون بالدين. فليتاجراو بما شاؤوا. ومن ذا الذي يمنع تاجرا من بضاعته؟ ومن الذي حظر أن يكون الدين بضاعة للاتّجار؟ ومن أزعجه أن يتاجروا بالدين فلينافسهم ببضاعة أفضل منه إن شاء أو فلينازعهم في بضاعتهم التي يراهم يسيئون إليها وليعرضها بأفضل ممّا يفعلون. هل الدين على ملك أحد؟

الحقيقة أنّ الدين ليس بضاعة رائجة على زماننا. وهو عبء ثقيل لا يتحمّله كثيرون. ومن تحمّله فقد وُكّل به. ولكنّ خصوم الإخوان لا يجدون ما يصمونهم به فيتّهمونهم بالمتاجرة بالدين وباتخاذه لهم بضاعة لترويج أفكارهم.. حتّى أولئك الذين لا يؤمنون بدين يفعلون ذلك. كنت تسمع، في مرحلة ما، صفة "ظلاميّ" يوصم بها كلّ شابّ متديّن يدلي برأيه، حتّى كتب حمّة الهمّامي كتيّبه الشهير "ضدّ الظلاميّة" الذي قرّر فيه طرد الإسلاميين من جنّة التنوير لأنّه يرى أنّ الدين الذي يتّخذونه لهم مرجعا عائد من عصور الظلام.. ولكنّ واضعي ذلك الوصف تخلّوا، الآن، عنه ليستبدلوا به وصف " الإسلام السياسيّ". وهم بما يفعلون إنّما يستهينون بعقول الناس.

الناس، لدى هؤلاء، قاصرون. وعليهم أن يسمعوا لهم لأنّهم الأذكى. وقد رأوا أنّ الإخوان يخفون ما لا يظهرون وعلموا أنّ دينهم زائف وتديّنهم مكذوب. فلماذا لا يعرض هؤلاء، على الناس، الدين الصحيح؟

7. ضمر حضور الدين في البلاد العربية بحكم ما فرضه الجهل والاستعمار عليها. وظلّت الأفكار النهضويّة أفكارا نخبويّة لا حضور لها خارج أوساط المثقفين. ولمّا ظهر الإخوان عملوا على ترجمة الأفكار في الواقع وحرصوا على تلوين سلوكهم بها. وصار الناس يتعبّدون بتلك الأفكار داخل المساجد ويسيرون بها في الطرقات ويمشون بها في الأسواق. فكانت الثورة في العقول والقلوب وفي السلوك. من هنا كانت خطورة الإخوان. لم يفرضوا على أحد أفكارهم ولا أكرهوا أحدا على اتّباعهم. حاولوا ما استطاعوا أن يمتثلوا لتعاليم زعيمهم حسن البنا الذي يعدّونه مجدّدا وإماما بعد أن نجح في الذي فشل فيه غيره من مختلف التيارات. وبدل أن تنافسهم تلك التيارات وتفنّد أطروحاتهم بالعقل في الفكر وبالفروسية في الأداء تهافتوا عليهم لنحرهم من خلفهم. وليتهم نجحوا في استئصالهم.

أليس في فشل الدول العربية في استئصال الإخوان ما يحمل على التفكير؟

8. الإخوان يحارَبون من الدول الغربية ومن الاحتلال لأنّ أطروحتهم هي أخطر الأطروحات عليهم. وذلك لأنّهم يتحرّكون من خارج الأفق الابستيمولوجي الذي فرضته الحداثة الغربية وانتهى إلى هذا الذي نسمع من مفردات من قبيل "نهاية" و"الأخير". أطروحتهم نقيض جذريّ لأطروحات التّبعية التي تبقي على الأمّة كيانات مجزّأة تدعى"دولا" ، لا تملك زمام أمرها لأنها مستطيعة بغيرها. أمّا خصومهم من "الوطنيين" و"الديمقراطيين" و"القوميين" و"اليساريين" فأقصى ما يطمحون إليه من معركتهم مع الاحتلال وحواضنه الغربية أن يرضى بمحاورتهم وأن يترك لهم مكانا في ظلّه. يكرهون الإخوان لأنّ غيرهم قد سقطت أطروحاتهم.. سقطت في جدولين متقاطعين:

جدول طوفان الأقصى الذي فجّره الإخوان في غزّة وحمل الكافة على التعاطف معه.. في الوقت الذي يتعاطف فيه هؤلاء مع الطوفان يستبعدون الإخوان حتّى أولئك الذين فجروه.

أمّا الجدول الثاني فهو جدول ثورات الربيع العربي الذي لمّا فسح المجال للانتقال الديمقراطي جعل في صدارته الإخوان.

لأجل ذلك يتداعون على الإخوان.

يأكلون من ثمَرهم ويلعنونهم.

تاريخ أول نشر 2025/6/20