1. صائم أنت يا شيخ؟ سمعتُ أنّك صوّامُ نهارِك قوّامُ ليلِك من زمن شبابك. ولكنّني إنّما أسألك لأسأل لك موفور الصحّة والعافية عسى ألّا يحول العمر والسجن دون لحاقك بعادة صومك.. أقول عادة لأنّني أظنّ أنّك اعتدت العبادة وعبّدتَ العادة. ولكلّ امرئ من دهره ما تعوّدَ كمَا علّمني سيّدُ الشعراء حكيمًا لا مادحًا.
2. لم أسع في التقرّب إليك يوما. ولم أسرع حتّى إلى التسليم عليك لمّا كان الأمر ممكنا يتنافس الأبعدون عنك والأقربون منك فيه. أنا لم أنافس، حياتي، أحدا في شيء.
لا أقول هذا الكلام استدعاء ل"لكن" تلك الأداة السخيفة التي يستدعيها العاطفون على الإنسان على حرف. أنا، فقط، أفسّر حيلولة نفسي "الحامية" من جميع مساعي التقرّب. لا أتقرّب ولا أزاحم المتقرّبين. أنا، الآن، أكتب إليك حفظا للإنسان فيك وكرامة لشخصك الذي لا أرى جديرا به إلّا الاحترام.. كلّ الاحترام.
لو كان الأمر مناقشة لك على فكرة أو محاججة في موقف لربّما لم ترني في صفّك. ولكنّ الأمر في عمق الإنسان وإنّي لأرى فيك الإنسان.
هل أنا أشفق عليك؟
لا والله.
مثلك يُشفِقُ ولا يُشفَق عليه. وسيرتك تقولك لا أنا.
3. أعلم أنّ المرور بجنب اسمك فيما نحن فيه، في حدّ ذاته، تهمة. فمُبغضوك قد استفرغوا كلّ الذي في نفوسهم من أذى ولو أنّهم استطاعوا المزيد لما ادّخروا في إيقاع الأذى بك لهم جهدا. ولكن كلّ وسعهم أن يستعملوا الدولة التي كنت حريصا عليها في التنكيل بك. وليس لهم من قدرة عليك سوى سلبك حريتَك التي أنفقت عمرك في التنظير فيها ووضعِك في سجن الدولة وحرمان أهلك منك ومنعِ أبناء الحرية من الاقتراب من سورك.
4. أيّها الشيخ الجليل والأستاذ الكبير..
أقترب من اسمك لأنّني لست أفضل منك وليت لي بعض وسعك لأفعل بعض الذي فعلت لأجل الفكرة والقيمة والوطن والإنسان. وليت لي جميل صبرك وعميق فكرك. ولكنّني ضعيف ولا أكاد أبين.
أقول لو كان هذا البلد يقدّر ثرواته لكنتَ من ثرواته التي يقدّرها. لو كانوا يفهمون لحرصوا عليك ولوضعوك في مقامك الذي تستحقّ. أنت سرت في أوعر المسالك لتمهّد للأمّة طريقها إلى حريتها وتوصلها إلى نهضتها. علم بذلك الأباعد فاحترموك وجهل به "الأقارب" فنكّلوا بك. وليس لهم عليك من حجّة غير أنّهم محمولون على كرهك. هم يكرهونك بغرائزهم. ولو كان لهم عقول لاحترموك ولأنصفوك. ما يفعلونه بك وبنظرائك شهادة على غياب العقل عنهم. ومتى غاب العقل اضطرب الميزان وعشّش الفساد.
5. أعلم أنّك جبل لا تهزّه ريح ولكنّني أكاد أراك تمدّ يدك المرتعشة إلى فمك لتشقّ فطرك من صيامك فأتساءل عمّا فعلتَ، يا شيخ، ليمنعوك من شقّ فطرك فتصل، من كبرياءٍ، صيامَك بصيامِك.
وإنّي لأسألك، يا شيخ، هل يستحقّ هذا الوطن المُبغضُك كلّ هذا الثمن؟
هل ترى منّا من يستحقّ أن يركّز الوطن الذي تعلّقتَه كلّ هذا الظلم فيك؟
هل تعلم، يا شيخ، أنّنا بظلمك وظلم نظرائك سنُضطرّ، جميعا، إلى دفع الثمن، وسيكون ثقل الثمن الذي ندفع أضعاف الظلم الذي أصابك وسكتنا؟
الظلم شجرة خبيثة سنأكل من زقّومها جميعنا، الظالم والمظلوم على حدّ سواء.
رمضانا مباركا كريما،
يا شيخ
تاريخ أول نشر 2025/3/2