حسب الانطباع الذي تكون عندي، فأن المتحمسين للمشاركة في الانتخابات نسبتهم أكبر من الداعين لمقاطعتها.
وأنا أتوجه لهاته الفئة بالسؤال، وقابل بكل الاتهامات الموجهة للداعين للمقاطعة وخاصة لي شخصيا من "طفولة سياسية" و"شعبوية" و"ثورجية" و"عنتريات من وراء الحدود" و"من وراء الحواسيب" و"المزايدات العبثية" ووو
نحن نتحدث في وضع استنفدت فيه جل أوراق "اللعبة القانونية" وأمامنا الوضع الآتي: صدور القائمة النهائية للمترشحين في الرائد الرسمي، مما يعني عدم الاعتراف بقرارات المحكمة الإدارية. وفي نفس الوقت يلاحق الانقلاب أحد المترشحين وينكل به في السجن ...
والصورة تكاد تكون واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، وهي تقول: أنه تجري ممارسة ضغوط شديدة على العياشي الزمال من أجل أن يسحب ترشحه بناء على احتمالات ليس من الصعب التكهن بها وقد أوردت بعضها في مقالي أول أمس. فلا يخلو الأمر من:
- إما أنه تبين للمنقلب أن العياشي الزمال لا يتحرك من تلقاء نفسه كما يكون قد استنتج في البداية، ولذلك يجب قطع الطريق عن أي مفاجأة ممكن أن تحصل.
- وإما أنهم توقعوا منه أن يكون مجرد كومبارس أو طلبوا منه ذلك ولكنه رفض، وهذا ربما يكون المرجح خاصة إذا التقى مع الاحتمال الأول.
ما العمل إزاء هذا الوضع :
نكتفي بالمطالبة على نحو ما فعل السيد عماد الدائمي ومنذر الزنايدي ومواصلة صراع "الإجراءات القانونية" كما يفعل أغلبهم؟ وهي ردود أفعال تتوهم أنها تزعج شخصا تعلم أن به صمم عن سماع كل ذلك "الضجيج"؟
أم أن المنطق يقول أن المرشحون وأنصارهم، وقد سلكوا كل سبل القانون ولم يستجب لهم، فمن حقهم أن يستنجدوا بالشارع، لممارسة ضغط شعبي تقره كل القوانين، طالما كان ذلك في إطار مدني وبعيد عن ممارسة العنف؟
لدينا أربع مرشحين جرى إقصاء ثلاث ويجري إقصاء الرابع. وهؤلاء تحصلوا على تزكية 40 ألف شخص على الأقل، وإذا كان هناك الكثيرين ممن زكوا المرشحين لا لاختيارهم في التصويت وإنما لمساعدتهم على الترشح، فإنه من غير المعقول أن لا يكون في المزكين نسبة على الأقل 50 % ممن يعتبرون أنفسهم أنصار ذلك المرشح ... أليس من الطبيعي جدا أن يخرج بعض من هؤلاء المزكين دفاعا عن حق مرشحيهم وحقهم في اختيار من رشحوهم طالما استجابوا لشروط القانون في الترشح ؟ لا بل هي مناسبة كي ينضم مزكوا السيد ذاكر لهيذب الذي أغلق عليه بيته منذ صدور قرار المحكمة ! وكذلك مزكوا السيد هشام المدب .... هل يعتبر من قبيل المعجزات أن تخرج مظاهرة أو وقفة سلمية ترتدي أقمصة بيضاء ترفع شعارات تدعو إلى تطبيق القانون وتحذر من الاستمرار في المهزلة؟
ليس مطلوبا أن تكون مظاهرتهم بحجم مظاهرة 27 فيفري النهضوية، ولا حتى مظاهرات موطنون ضد الانقلاب ... تكفي مظاهرة ببضعة آلاف في شارع بورقيبة كي تملأه وتملأ الفيسبوك والشاشات الإخبارية ...
هل أن هذا العمل يعتبر ثورجية وشعبوية وفوضى وطفولة سياسية؟؟؟؟
أم أن هناك عجز من هؤلاء المرشحين حتى على جمع القليل ممن زكوهم ليخرجوا مدافعين عن انتخابات تعددية وحرة ونزيهة وشفافة؟
كيف يمكن لمرشح جمع التزكيات بيسر ويزج به في السجن ولا يخرج بضع مئات لا بل عشرات للدفاع عنه!!!
لو كان المترشحون ومزكوهم وعشرات من السياسيين الذي انتشوا بـ"هبة التزكيات" ودبجوا فيها المعلقات، يملكون القدر المطلوب من المسؤولية والجدية - مع الاعتذار على هذا التوصيف القاسي - لكان وقوفهم في شارع الثورة من بديهيات النضال المدني لانتزاع الحقوق، ولكان قادرا على فرض معادلة متقدمة تمكن - باعتبارها تطويرا لوسائل النضال وليس دورانا في حلقة مفرغة - من خلط الأوراق وربما فرض معادلة جديدة.
قرأت الحوار الذي أجرته صحيفة فرنسية مع الباحث حمزة المدب والذي توقع أن رفض قرار المحكمة الإدارية سيؤدي إلى ردة فعل الشارع وهو ما سيسير بالاوضاع نحو مرحلة جديدة ... فإذا نحن أمام ذلك السيناريو الذي توقعته واعتبرته أسوء السيناريوهات.
تاريخ أول نشر 2024/9/10