search

سوريا ... هل نقول كأنك يا أبو زيد ما غزيت؟

كلنا فرحنا لسقوط النظام الدموي الأقلوي الذي دمر سوريا، وشن حربا إبادية على شعبها ... كنا مع الشعب السوري حين قمعه النظام البعثي وأجهض ثوراته المتتالية، وضرب أطفاله بالكيمياوي، واباد قرى وأحياء بأكملها، واختطف وعذب وأعدم الأحرار بالجملة، ورماهم في مقابر جماعية بعضها لا يزال مجهولا ...

كنا ضد نظام البعث الذي باع الجولان منذ عهد حافظ، وكنا ضده حين لم يكن إلا حارسا لحدود العدو، وكنا نسخر منه حين كان يرد على هجمات العدو وانتهاكه للحدود وضربه لأهداف في عمق سوريا، كان يرد بالقولة الشهيرة: "نحتفظ بحق الرد".

كنا ولا زلنا ضد التدخل الإيراني، وتدخل حزب الله وأحلافهما من العصائب الشيعية العراقية والباكستانية والأفغانية ودون أن ننسى التدخل الروسي والشريك الأكبر في حرب الإبادة بارتكابهم المجازر المروعة في حق الشعب السوري ومقاومته، التي نقر بأن بعض فصائلها جرى استصناعه مخابراتيا لتحريف أهداف الثورة النبيلة....

تفهمنا خطوات الرئيس الشرع، واجتهدنا في تفهم تكتيكاته واستراتيجيته في إدارة الشأن السوري، التي راعت تعقد الوضع السوري شديد التنوع، وموقعه الجيوستراتيجي الحيوي، الذي جعل كل القوى تطمح، وبعضها تصر على ان يكون لها فيه موطئ قدم.

لكن للأمانة، لقد كان الانقلاب السريع للموقف الإقليمي والدولي، وخاصة بعد الاجتماع الخماسي في قطر ليلة تحرير دمشق، كان ملفتا للانتباه، وباعثا للأسئلة، ولم تتكشف "الصفقة" بكل تفاصيلها بعد ... ولا تقل سرعة الاعتراف بالنظام على ذلك، حتى وصلت لرفع العقوبات في وقت قياسي لم يكن يحلم به حتى الأكثر تفاؤلا من السوريين أو من غيرهم.

لست مع نظرية المؤامرة بوجهها الأكثر تطرفا، حيث تعتبر الشرع صنيعة مخابراتية ... لست مع ذلك أبدأ ... لكنني من خلال متابعتي أدرك ان الشرع قد قام إلى جانب استعداده العسكري، بجملة من التفاهمات والمفاوضات والمناورات مع أطراف، بعضها تحدث عنه هو أو رفاقه، وبعضها قد يكون لا زال طي الكتمان ... وكل ذلك طبيعي من حيث المبدأ وتقتضيه عملية إدارة الصراع.

كان هناك ظن على أن الأتراك كانوا ظهيرا حقيقيا له ... لكن ما ترجح لدي لحد الآن، أنهم لم يكونوا ظهيرا كامل المواصفات، وإنما تحركوا ودعموا في حدود المساندة، وبخطى حذرة، ووفق المصالح التركية المباشرة، وما تتيحه الدبلوماسية من حماية الأمن الاستراتيجي ....

وعندي أن التصرف التركي، سواء كان بقرار الدولة التركية الخاص، أو بناء على التفاهمات مع الشرع، كان في المحصلة خذلانا لسوريا، سوريا الشعب وسوريا الدولة، وليس لمن يحكمها الآن، ذلك أن ما حصل وسيحصل يتجاوز الماسك بالسلطة حاليا. كما انه في المحصلة أيضا، ليس في مصلحة تركيا الجيوسياسية ولا الجيوستراتيجية. في ما أقدر.

حاولنا أن ننتزع الأعذار لتركيا بخصوص "خذلانها" لغزة، ولكننا لا نجد تقريبا أي عذر لما تصرفت به في سوريا.

صحيح أن الشعب السوري قد تحرر من نظام أقلوي أجرم في حقه، ولكن النظام الذي استبشر به السوريون لم يغير من قواعد اللعبة مع أسرائيل، بل لعله يجد نفسه مجبرا على القبول بوضع أسوء مما كانت عليه. وكل ذلك بعد أن تمكنت إسرائيل من القضاء على المقدرات الدفاعية لسوريا والتي ستحتاج المليارات لتعويضها هذا إذا سمح لها بذلك . لم يكن الشرع مطالبا بتغيير قواعد اللعبة على ما كانت عليه حاليا ذلك نتفهمه، ولكن إسرائيل استغلت الوضع من أجل أن تفرض قواعد لعبة جديدة على الأرض وبما دمرته من مقدرات الجيش السوري، فزاد الوضع تعقيدا.

كان الناس يأملون أن يكون تغيير الوضع في سوريا في صالح "طوفان الأقصى" وهو ما أصبح متعذرا وهي معادلة زادت من تعقيد الوضع الجيوستراتيجي للمقاومة المحاصرة والمطلوب رأسها داخل غزة وخارجها.

من هنا اكرر بكل أسف خذلان تركيا لسوريا ... فحين اختفت الإرادة التركية وراء دعوى احترام السيادة السورية وعدم وجود اتفاقية تعاون، كانت إسرائيل تصول وتجول وتدمر بدباباتها وطائراتها المعدات والقواعد. أما تحويل وجهة الموضوع بأن بشار قد سلم إحداثيات المواقع للعدو كلام لا معنى له ولا يفيد شيئا ولا يبرر الكارثة.

وتمسك الشرع ببرودة أعصابه، والعدو يقصف القصر الرئاسي، بدعوى الحكمة ومخافة إنفلات الاوضاع من يديه، جعله يسقط في الهاوية السحيقة، ألا وهي تحول إسرائيل إلى فاعل رئيسي ومحدد في الشأن السوري كله.

كل الذين رأوا الاعترافات البرقية لدول الخيانة العربية، لم يصدقوا ما يحدث، والذين فرحوا للشعب السوري امثالي، بحثوا لهم عن مبررات مقبولة ... لكن شيئا واحدا لم أشك فيه، وهو أن هؤلاء لم يمدوا يدا، إلا لأنهم يجهزون الطعنة. ولم افكر ابدا أنهم أغبياء وأن من وراءهم من الأمريكان وغيرهم قلوبهم تقطر حبا لسوريا وشعبها ...

هل نقول ان سوريا سقطت في ما سقطت فيه غزة، من حيث أن انتصارها المذهل، سقط بين مطرقة الخيانة وسندان الخذلان !!!

ولله الأمر من قبل ومن بعد

تاريخ أول نشر 2025/9/18