ممثلان ... أحدهما على كرسي متحرك.... في غرفة أشبه بالسجن .... تدور احداث مسرحية ذهبت بنا لأمهات القضايا المعاصرة الفكرية بل الفلسفية لا بل الوجودية .... الموت والحياة ... الجريمة والعقاب ... الحق والعدل ... القانون والحرية ... الدنيا والآخرة ... الجسد والروح .... كل ذلك حول تلك الغرفة الى صخب وضجيج ...... وصراع .... صراع المعنى ... المفهوم ... الفكرة .... أختار لها أصحابها أن يعنونوها بـ"سوناتا" ... قطعة موسيقية ! هكذا يبدو الصمت صاخبا ... ويتحول الصخب الى سوناتا .... سوناتا الروح .... الكينونة .... الإنسان في وجوده وماهيته ... الإنسان الذي نعيش ... الذي يصارع الاوبئة ( الكورونا ...) ويتصارع مع اخيه الانسان ( التحرش الجنسي ...) ... الإنسان الذي يتأله ... مستعملا كل أسلحة الاخضاع لأخيه الانسان ....
الفعل الثقافي من الزاوية السوسيولوجية له معنى ... لا يأتي عبثا بل قدرا ... له أسباب وله رسالة .... تتجاوز في أحيان كثيرة ما فكر فيه أصحابه نصا وإخراجا وتمثيلا .... "الحاجة الاجتماعية" دافعه الأعمق للولادة ... وهي أيضا رسالته المطلوب منه اداؤها ....
أن تعود بنا "سوناتا الروح" الى مسرح الرؤية والفكرة الفلسفية، وان تختار العودة للاشتغال على حاسة التأمل والتفكير و"الأشكلة"، ربما لم يكن قصدا واعيا من أصحابها، بقدر ما هو "طلب اجتماعي" لتجاوز الاشتغال على إثارة اللاوعي... ومسرح تفريغ الطاقة القلقة في التركيز على الاضحاك ...
لم يكتف المخرج والممثلان بما قاما به، بل فتحوا نقاشا حول المسرحية في نهايات كل عروضها، في تقليد اندثر ولم يعد له أثر. كانوا يختارون كل ليلة من ليالي العرض موضوعا من الموضوعات التي أثارتها المسرحية للنقاش والتفاعل ... إمعانا في "ترسيخ" الاشكاليات والأسئلة والتقاطا لرسائل المتلقي .... "السيد الآخر " للعمل المسرحي باعتباره قارئا ومالكا له أيضا.
لست ابالغ إن قلت أن "سوناتا الروح" تؤشر الى "عودة الروح" .... ربما لا زال شبحها لم يظهر بعد من خلف السحب الداكنة السوداء التي تغطي فضاءنا .... لكنها عائدة ... وقد يكتب مؤرخون أفذاذ يوما ما، وهم يكشفون عن الاسباب العميقة لـ"زمن جديد" و"دورة جديدة" بعد سنين القحط التي نعيش، الى حدث ثقافي واحداث مشابهة كان لها ما بعدها ....
تاريخ أول نشر 2022/12/09