ترشح الدكتور محمد مرسي لرئاسة الجمهورية في مصر والفوز بها وتوليها كرئيس إسلامي منتخب قرار كان ينبغي التوقع أن مآله الحتمي هو الشهادة.
لم يكن قرارا خاطئا لكنه كان في الزمن المستحيل وفي المكان المستحيل.
كان يمكن للفترة الساداتية أن تفضي إلى مشاركة الجماعة بعد عقود التنكيل والإقصاء، لكن تحول الساداتية إلى تطبيع إتفاقيات مخيم داوود نسف احتماليات التجسير بين الدولة والجماعة وعمق مأزق الدولة وأنطواء الجماعة.
ترشح الأستاذ راشد الغنوشي للبرلمان ولرئاسة البرلمان وتوليها يدخل في باب تحويل المستحيل إلى ممكن.
وكان بالإمكان توقع أن الدخول سيعقبه خروج مشرف، ومن الباب الواسع، وتمهيد الطريق لتداول سلس، في إطار منظومة تحالف المعتدلين. وقد توفرت إرادة مضادة للثورة وللتطبيع مع الدولة لتحويل الممكن إلى مستحيل.
وقد كانت الحياة السياسية حبلى بهذا الإمكان تسابق زمن إجهاض تلك الولادة الواعدة، وقد عاجلها وأصابها في مقتل مخافة أن يتوسع أفق الإمكان في التاريخ والجغرافيا.
ولكن القطيعة بين الحركة والدولة لم تحصل، فمياه كثيرة جرت تحت الجسر، ولايزال نهر الديمقراطية يداور ويغالب التصحر والتجفيف.
أذكر أن أحد أعداد مجلة المعرفة مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وبعد إنتصار الثورة الإيرانية، صدرت وفي صورة الغلاف ثلاث شخصيات إسلامية (البنا والمودودي والخميني) باعتبارهم مجددي القرن، وهي صورة كانت تقابلها عند اليسار الماركسي صورة ثلاث منظرين للشيوعية (ماركس وأنجلز ولينين)، وقد كان الثالوث الإسلامي في لاشعور شباب الصحوة هو النقيض والوريث التاريخي للثالوث الشيوعي.
وعلى خلاف مصر حيث كانت معركة الإخوان مع الناصرية.
كان الصراع في تونس بين الإتجاه الإسلامي والتيارات الماركسية (شقيقة البورقيبية)، ولم يكن مصدر الإلهام فكر البنا وحده ولا مدرسة الإخوان وحدها، بل كانت المرجعية الفكرية تأليفا خلاقا بين رواد حركة الإصلاح والإحياء، وتركيبا بين منطلقاتها العقائدية والأبعاد الإجتماعية في الماركسية والإشتراكية.
وهذا التمايز في التجربة بين الحركة المصرية والحركة التونسية هو الذي رجح جانب الإستحالة في مصر وجانب الإمكان في تونس.
ولكن مستحيل اليوم هو ممكن الغد وشهيد اليوم هو ممهد الطريق لشريك الغد، شريك التراب والمشروع والمصير ...
رحم الله الشهيد محمد مرسي في ذكرى وفاته، وفرج الله عن الأستاذ راشد الغنوشي وجميع المعتقلين السياسيين الذين فضلوا اللقاء على الإقصاء...
تاريخ أول نشر 2023/6/17