search

في ذكرى الإعلان

خلال جلسة استراحة في أحد الاجتماعات الماراطونية، قلت أن الإعلان كان بمثابة "السحر الذي انقلب على الساحر ". وكان الشيخ من بين المجموعة، فاعترض على ما قلت، ودون ان يغوص في الرد باعتبار المقام كان مقام دردشة.

أنا انطلقت من واقع الحركة انذاك وتطوراته فيما بعد. كان وعي الحركة عموما يستهجن السياسة والحزبية والخضوع لمنطق الدولة ونواميسها. وهو وعي مركب منبته المنظور الاخواني للسياسة وللاحزاب في انعكاس للتجربة المصرية ورفض البنا القبول بتحول الحركة الى حزب سياسي وهجومه ونقده الجذري للحزبية وللتجارب البرلمانية رغم انه حاول الترشح ومنع من ذلك. وربما زاد المنع في غلو موقفه. كما كان وعيا متأثرا أيضا باليسار الراديكالي، الذي زرع مفهوم القطيعة السياسية والتنظيمية خاصة في الجامعة، وتسرب للساحة السياسية مع الخريجين. وأخيرا كان وعيا متأثرا بالثورة الايرانية، وما رسخته من المفاهيم الجذرية في التغيير الاجتماعي والسياسي.

كان ذلك الوعي مانعا من تقبل خطوة الإعلان باعتبارها خطوة استراتيجية تحمل في باطنها تحولا في مفاهبم التغيير السياسي.

لكل ذلك يلاحظ المتتبع للخطاب السياسي للحركة انذاك وحتى قبل الإعلان انزياحا تدريجيا محسوبا. لاحظ عنوان البيان الذي صدر بعد إعلان بورقيبة في مؤتمر الحزب انه لا مانع من التعدد الحزبي : التعددية حق والجماهير هي المحدد لشروط ممارستها.

لكن الحركة في الأخير قبلت عمليا "الرضوخ" لمنطق الدولة، وتقدمت بطلب تأشيرة وفق الشروط التي يحددها القانون.

ما عنيته أنا بالسحر الذي انقلب على الساحر هو ذلك الانزياح لوعي الحركة نحو تبني الخيار العلني وتبني التعددية وتبني الديمقراطية الذي أخذ عقودا حتى وصل في المؤتمر العاشر إلى ما اطلقت عليه: الاسلام الديمقراطي أو الاسلاميون الديمقراطيون.

بالنسبة لي كان الإعلان والانتظام ضمن السياق السياسي العلني فرض على حركة كانت بعيدة عن هذا الخيار القيام بعمل مزدوج : ترسيخ ذلك التحول داخلها باعتباره خيارا استراتيجيا، وإقناع الفرقاء بانها قد تحولت استرتيجيا لا تكتيكيا.

انطلقت مسيرة العمل المزدوج منذ الندوة الصحفية للإعلان عن الحركة، التي أظهرت الحركة بخطاب لافت لا يخلو من تماسك وحجة، جعل "الداخل" و"الخارج" يدخل معه في "صراع" استمر عقودا ولا زال، وجعل القائمين على ذلك الخطاب وأساسا الشيخ يدخل في عملية بناء "سردية" لم تخل مسيرة بنائها من جهد بيداغوجي ومن مناورات خطاب واستراتيجيات متعددة واحيانا متناقضة. فالعمل على تغيير وعي "الداخل" بكل تناقضاته، والعمل في نفس الوقت على إقناع "الخارج" بكل تناقضاته أيضا، شبيه بمن يمشي وسط حقل ألغام.

هل كان موقع الشيخ على رأس الحركة هو الذي فرض عليه تقمص ذلك الدور المزدوج، ام انه كان بقطع النظر عن تأثير الواقع والظروف التي مرت بها الحركة يحمل في ذاته مشروعا، وان ما انتهى إليه "مشروع النهضة" على مستوى الرؤية والسردية لم يصنعه باعتباره تكتيكا فرضته الظروف، بل انه ابنه الشرعي له جذوره ومنابته في رؤيته ووعيه المبكر ومسيرته الفكرية التي انطلقت محدداتها التكوينية مبكرا ... ربما قبل أن يقدم على تأسيس "جماعته" .... هذا ما سنحاول الإجابة عنه في قادم الأيام بمشيئة الله....

تاريخ أول نشر 2023/6/6