search

كيف تكفر الدول والشعوب عن جرائمها ... بين مثالين: جنوب إفريقيا وألمانيا

موقف كل من جنوب إفريقيا وألمانيا قدم لنا درسا كبيرا وعظة عظمى للدول والشعوب. بلدان مارسا جرائم ضد الإنسانية في ما مضى، واختلفت ردود أفعالهما حول حرب الإبادة التي تتعرض لها فلسطين وخاصة غزة.

ففي حين انتصرت جنوب إفريقيا للحق الفلسطيني وتقدمت لمحكمة العدل الدولية تقاضي الكيان الصهيوني متهمة إياه بممارسة إبادة جماعية في غزة، انبرت ألمانيا بشكل هستيري لمناصرته ومقدمة كل وسائل الدعم الممكنة بل وأعلنت عن استعدادها للدفاع عن إسرائيل في محكمة العدل الدولية ضد تهم جنوب إفريقيا.

ألمانيا تعيد تاريخها!

لو أردنا التفحص بعمق في الموقف الألماني، فإننا سنجدها موضوعيا تعيد تاريخها، ولا تكفر عن جريرتها. وإن عقدتها تجاه اليهود وما مارسته ضدهم، لا يشفع لها أبدا أن تنتصر لهم إذ يمارسون ما مارسته هي معهم.

أن تنتصر لليهود، عليها أن تمنعهم من ارتكاب الإبادة الجماعية، وأن تجند طاقتها وكل ما تملك من أجل أن لا يمارسوا ما مارسته هي معهم.

لكن موقفها يلقي بظلال الشك حول الأهداف البعيدة وراء ما قامت به ماضيا، وكشفت عنه الدراسات التاريخية الموثقة، من أن موقف ألمانيا على بشاعته يأتي في سياق الدفع باليهود خارج أوروبا وإرسالهم إلى فلسطين أو تسهيل خروجهم رغبا ورهبا، يأتي في إطار خطة "التخلص منهم" وفي نفس الوقت "الاستفادة منهم". وليس هناك أفضل من وضعهم في الخاصرة العربية الاسلامية، ليحافظوا على الهدف الغربي في التحكم والسيطرة على المنطقة، لضمان استمرار نهب خيراتها ما دام الإستعمار المباشر لم يعد مناسبا بسبب كلفته العالية.

و من العجب العاجب أن كل ما دبج من كتابات ومراجعات في الفكر الغربي وفي القلب منه الألماني يسقط كورقة خريف أمام امتحان: القضية الفلسطينية ومحرقة غزة؟

زلزال "طوفان الأقصى" الذي ما زلنا في بداية ارتداداته، كان أكبر وأعمق ما أصاب: القاعدة الفلسفية والأخلاقية التي انبنت عليها اتجاهات الغرب السياسية والإجتماعية بعد الحرب العالمية الثانية. لقد ظهر خواء كل تلك الترسانة من المواثيق والعهود والاتفاقيات التي انتصرت ظاهرا للانسان ودون أن تحرك في صميم الواقع الانساني شيئا ذا بال.

ربما كان هناك شيئ واحد له بعض القيمة: تلك الحركة النقدية التي لم تتوقف للمشروع الغربي من داخله والتي عملت على تفنيد "بهرج" الحقوق والحريات العامة والخاصة وقصور مؤسساتها وخوء مضمونها من الناحية العملية.

جنوب إفريقيا تثأر من تاريخها

في مقابل ألمانيا التي استعادت بدون خجل تاريخها، قدمت لنا جنوب إفريقيا درسا بليغا في "الثأر من التاريخ" حين تكون بعض صحائفه سود.

وعلى عكس ألمانيا فقد تخلصت جنوب إفريقيا من نظام الفصل العنصري من خلال "توافق وطني وعدالة انتقالية"، برغم ما فيها من أخطاء التطبيق إلا أنها كانت في مجملها نقلة وعي جمعي واختيار حر، في حين أوقفت الهزيمة الساحقة ألمانيا عن مواصلة استمرار إبادتها لليهود وعقيدتها العنصرية.

لم يكن عسيرا على جنوب إفريقيا أن تتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. وهي التي عاشت نظام فصل عنصري بغيض كان على علاقة وثيقة بإسرائيل.

لكل ذلك انتصرت جنوب إفريقيا للحق الفلسطيني وثأرت من تاريخها العنصري، بينما استأنفت ألمانيا تاريخا أسود من الإبادة والعنصرية بمساندتها من وضعتهم يوما ما في أفران الغاز ، قائلة لهم افعلوا ما فعلناه معكم مع الفلسطينيين حتى تغفروا لنا.

هذا الزلزال العظيم ما زال في أوجه ... وما نشاهده غيض من فيض من ارتداداته التي لم تكشف بعد عن كل مكنوناتها.