search

لعنة الأمم: الاستبداد والفساد

لعنة الأمم: الاستبداد والفساد

كيف تنجز انقلابا؟

1- منهج التعفين والترذيل والغموض:

منذ انتخابات 2019 التشريعية والرئاسيّة انتهج الرئيس أسلوب الغموض المربك لكل المهتمين بالشأن السياسي من الأنصار والمعارضة ويبدو الغموض أسلوبا مناسبا تجاوز من خلاله الرئيس محاولات الجميع تفسير خياراته السياسية أو ما يتبّعه من خطوات ولذلك كانت كلّ أفعاله غير متوقّعة ومباغتة وإلى جانب أسلوب الغموض انتهج الرئيس كذلك أسلوب "التعفين" عبر تأكيد الأزمة أو افتعالها دون المساهمة في حلّها أو تجاوزها وكانت أزمة "كوفيد 19" حدثا مناسبا للرئيس للمبالغة في انتهاج هذا الأسلوب عبر تجميع التلاقيح في مخازن الصحّة العسكريّة في حين كانت الإصابات بالآلاف والوفايات بالمئات يوميّا

2- منهج المساكنة والمباغتة:

اتّبعت المجموعة الانقلابية منهج "المساكنة والمباغتة" عبر تقطيع عمليّة الانقلاب إلى حلقات تبدو ظاهريا متباعدة ومنفصلة ولكنّها في جوهرها متكاملة ومترابطة ويفقد "المواطن" القدرة على التفسير أو إدراك مناطق الترابط بين تلك الحلقات وهذا السلوك الانقلابي يمكّن المجموعة المنقلبة من الوقت ويتيح لهم عزل القطاعات الاجتماعيّة والإدارية ويمنع تواصلها كما يتيح لهم الاستفراد بكلّ حلقة من الحلقات التي تكوّن بناء الدولة السياسي والإداري والمدني والإعلامي والحقوقي والإعلامي..وقد عمل المنقلبون على تحويل مؤسسات الدولة وأجهزتها وعناصر انتظامها الإداري أو الاجتماعي إلى وحدات هيكليّة معزولة يسهل استهدافها أو تغييرها أو إخضاعها:

3- الأطهار ضد الأشرار: ( الروح الرسوليّة ).

قام خطاب المجموعة الانقلابية على تأكيد القيمة الضديّة لكل المكوّنات والمقوّمات فالانقلابيون يواجهون الفسدة والعملاء والخونة و"يطهّرون" البلاد من كلّ شرّ أتت به سنوات عشر وعلى هذا النحو يستعيد الانقلابيون ذلك التداخل بين الأبعاد الخرافية لرسوخ الشرّ والأشرار في الكون وواجب مقاومته كشل من أشكال البطولة (المنقذ في الحكايات الأسطورية) والأبعاد الدينية التي تستوحي من قصص الأنبياء والرّسل قصّة الصراع بين عالم الظلم والظلمات وعالم النور والهداية والرّسول بذلك مصطفى ومبتلى في أن واحد وضمن ترسيخ العناصر الخرافية والدينية لهذه الثنائية (الشرّ والخير) يميل الجمهور (الناس) ميلا غريزيا لمناصرة من يزعم أنّه المنقذ الذي يواجه قوى الشرّ.

4- تفكيك الدولة لإعادة بنائها:

ويتمّ ذلك عبر استهداف المكوّنات البنائيّة للدولة (المؤسسات والأجهزة) أو عبر تفريغ الإدارة من كفاءاتها وإطاراتها وتعيين الموالين والمناصرين أو تشكيل مليشيّات (مكوّنات غير نظاميّة تحظى بالمساندة والدعم والحماية وتستعين بأجهزة الدولة)

5- إشاعة مشاعرالخوف وتحويله إلى شعور جماعي قصد بث الإحباط والاستسلام في جموع الرافضين للانقلاب.

كان حدث الانقلاب في تونس وما تلاه من أحداث تحقيقا لشروط سقوط الدول وخرابها وتفسيرا لمراحل تاريخيّة تهاوت فيها الأمم والشعوب..

كان الانقلاب في تونس تكرارا بائسا لكل عناصر الخراب وبات واضحا أنّ المنقلبين يمارسون منهج "التخريب" بوعي وقصد أساسه إعادة بناء "دولتهم" على ركام "دولة الآخرين" فالتخريب الذي يمارسه المنقلبون منذ 25 جويلية 2021 ليس سلوكا ارتجاليا لمجموعة انقلابية لا تحسن الحكم وإنّما هو سلوك مقصود لمجموعة ذات تركيبة مليشياوية تستهدف مقومات الدولة التونسية ومؤسساتها وبنائها الاجتماعي الذي حفظ في مراحل تاريخية كثيرة وحدتها وسلامتها..

محمد المولدي الداودي

تونس