search

لماذا لا تحل حركة النهضة نفسها ؟

كنت دعوت منذ 94 الى ان تحل الحركة نفسها وكررت ذلك في مناسبات عدة، اهمها عند انعقاد المؤتمر التاسع، ثم قبيل المؤتمر العاشر في نص نشرته بعنوان : التفرق المحمود .

ذلك ان الحركة التي نشأت شمولية الأهداف والوسائل ومجالات العمل، وما فرضه ذلك من تبني خيار الازدواجية، وما استتبع ذلك من اعتماد السرية، كل ذلك لم يعد يفيد الحركة وأصبح وبالا عليها، يزداد ضرره مع الوقت ويضمر نفعه مع الوقت أيضا.

دعوت لحل الحركة كفعل إرادي واعي،وليس كرد فعل عما أصابها.

وهو ما ادعو إليه الآن .... وأعرف انه لن يلقى الاستجابة .... لكنني اقوله للتاريخ وإرضاء لضميري.

كنت أقول ولا زلت، ان إرث الحركة بإيجابياته وسلبياته و رمزياته ملك للجمبع، ولا يجوز خصخصته لا للمجال السياسي ولا للحزب ولا لفرد أو مجموعة. كما لا يجوز الانتقاء فيه بإبراز ما يحلو لنا ومحاولة دفن ما لا يعجبنا.

إنها تجربة تاريخية، وجزء من تجربة تونس وتاريخها. وما يحاول البعض التنصل منه ودفنه يمثل نقطة اعتزاز البعض الآخر.

يبدو ما حصل أخيرا دافعا جديدا لإعادة طرح الموضوع بنفس الخلفية وليس بخلفية التنازل السياسي للخصم.

صحيح ان ما حصل أخيرا يمثل فشل الخيار السياسي الذي قاد الحركة خلال العشرية، ولكن جزء من فشل الخيار السياسي مرتبط بفشل إدارة الحركة أيضا، وفي القلب من ذلك إدارة حركة بقيت حركة وإن أخذت شكل الحزب السياسي قانونا.

جزء مهم من النقاش الدائر الآن مرتبط بتواصل إرث الحركة الشمولية وقناعاتها ونفسياتها.

لا زالت عقلية تجنب النقد والنقد الذاتي وعقلية "موش وقت" مسيطرة على أعضاء النهضة قيادات وأعضاء. وهي عقلية مرتبطة بتكوين نفسي وذهني يعتبر ما حصل من فعل الخصوم والأعداء، وان تلك سنة الدعوات والحركات، وهو تكوين تتضاءل امامه عقلية النقد الذاتي وعقلية المحاسبة. ورغم ان أدبيات النقد الذاتي انتشرت مبكرا إلا أن فاعليتها ضلت محدودة حين ينعلق الأمر بتقييم الأداء ومحاسبة المشرفين عليه.

بادرت الحركة مبكرا بإجراء تقييمات، واستمرت على تلك السنة، وحبرت في ذلك آلاف الصفحات، وبعضها بالغ الاهمية، إلا أنها لم تجد طريقها لتكون وثائق رسمية معتمدة من مؤسسات الحركة،إلا ما يصدر في شكل جزئي في لوائح المؤتمرات أو بعض البيانات، وقد روعي فيها دائما عدم تقديم تقييم يفهم على انه اعتذار "يورط" الحركة ولو "سياسيا". وبقدر ما كانت الحركة تقيم عملها على علاته التي ذكرناها، إلا أنها لم تحاسب يوما قيادتها على أدائها ... وكان من نتيجة ذلك إن استمرت القيادة لم تتغير منذ نشاتها إلا بشكل جزئي وبطيئ ... وخاصة منذ سنة 90 الى الآن حيث واصلت تلك القيادة تصدر الحركة لتشرف على فشلين كبيرين كان ضررهما بالغا البلاد والحركة اختلفا في الظاهر واتحدا في الجوهر.

كانت دائما هناك دعوات تطالب بالتقييم وبالمحاسبة، ولكن كان هناك دائما شعار يرفع: "موش وقت" كما هو الآن . وبعد ما تنفرج الأوضاع، تحول القيادة فشلها الى انتصار، وتستعمل في ذلك كل حجج الدين والسياسة، وتنتصب من جديد على رأس الحركة شيخا ونخبة.

نشهد الآن نفس العقلية، ونفس الحجج، وبعضها ظاهره ديني/ اخواني وباطنه سياسي / بوليتيك.

حجج مبنية على تفاهات السياسة الصغيرة، التي تستعمل المناورات الضيقة للعقل السياسوي الذي تدار به البلاد والحركة أيضا.

لا يمكن ان يكون في النقد والنقد الذاتي ضرر، ولكن الضرر في الهروب منهما والتركيز فقط على ما يحيكه الخصوم والاعداء.

لا تحاسب القيادة على نجاح في أرض لا خصومة فيها ولا تآمر، وإنما تحاسب على فشلها في القدرة على تحقيق اهدافها ودحر خطط خصومها.

في تجربة الحركة تطور خطابها المبشر بالديمقراطية، لكنه كان بضاعة للخارج، أما داخلها فكان الخطاب السائد الخطاب التقليدي السلفي الاخواني وكل ما يساعد على تأبيد الوضع.

لا أريد أن اطيل هذا النص، ولكن مدعماته موجودة في نصوص كثيرة كتبتها، ومنها ما كتبته أخيرا على هذه الصفحة.

امام الحركة فرصة كي تتطهر، وتواجه خصومها بأسلحة غير اسلحة البوليتيك التقليدية القائمة على المناورات والتكمبين. وتفتح افقا لمواصلة خيار تحقيق مكاسب الثورة وتسفيه احلام الإنقلاب وداعميه.

تاريخ أول نشر 2021/8/10