search

مؤتمر الاتحاد العام التونسي للطلبة و رسالة الجامعة

استفزني فيلسوفنا الصديق بل العزيز حسن بن حسن بذكرياته عن سنوات "التأسيس"و"التأسيسي" بمناسبة انعقاد المؤتمر الخامس للإتحاد العام التونسي للطلبة، ورأيت أن أستعير موقعه النقدي وأفتح نافدة أخرى من ذكريات ذلك الماضي لعلها تكون مفيدة بمثل ما تفيد نافذة الصديق الفيلسوف .

لست في وارد التشكيك في المجهود الكبير الذي بذل، و لا في قيمة الأحلام الكبرى التي شيدت. بل سأشيد مع المشيدين بجيل  نوعي، لم يسلبه زخم المعارك والتزامات الساحة المضطرمة ونشوات الانتصار، أن يقف وقفات الناقد والمراجع والمتأمل والباحث في تجربته، الواقف على ثغراتها وسقطاتها، والمصر على التحليق في الأفق البعيد، و المتحدي لمحددات واقع جامعي أستهلكه اللهث السياسي، وواقع وطني صاغته الديكتاتورية على مقاسها يدور حولها أنى دارت به ولايفكر في مجاوزتها إلا إلى الوقوع في شركها.

كانت سنة الإنجاز بالنسبة للإتجاه الاسلامي و الاتحاد جزء منه، سنة النزيف الكبير في نخبته القيادية، فلم تكد تنتهي السنة الدراسية، حتى أجبر النظام الدراسي العديد منهم على مغادرة الجامعة، بحيث شمل ما لا يقل عن نصف قيادة الجامعة ونصف قيادة الاتحاد ناهيك عن بعض الأجزاء الجامعية الحيوية ككلية الآداب وكلية الحقوق. ثم أتى خريف "الزيارة ( زيارة القيادة لمزالي ) والسفارة ( حضور قيادة الحركة حفل السفارة الأمريكية بمناسبة العيد الوطني )" ومن قبلها "الرسالة" (رسالة الشيخ عبدالفتاح لبورقيبة في إطار صفقة الإفراج عن القيادة )، أتى ذلك الخريف على عدد آخر من القيادات الوسطى وخاصة بكلية الآداب التي وصل التململ فيها إلى قواعد الاتجاه.

ومع أن النزيف كان كبيرا و مفجعا، فقد عملت قيادة الجامعة على تجاوز ذلك عمليا. وانطلقت صيف ذلك العام في الإعداد لاستراتيجية جديدة للإتجاه في الجامعة. و هي الاستراتيجية التي اعتبرت من قبل لدى قطاع مهم من النخبة القيادية الفكرية للجامعة بأنها الاسترتيجية الأساسية والتي يجب أن تحضى بالأولوية. و قد خيل للبعض أننا قداسترحنا من المهمة السياسية النقابية واستلمها الاتحاد، وآن للإتجاه الاسلامي أن يقوم بدوره الحقيقي وهو العمل الثقافي الدعوي. وقد صيغت ورقات مهمة ونوعية حول رسالة الجامعة والمهمة الثقافية والدعوية كان لفيلسوفنا الدور المميز فيها.

ولكن المفارقة كانت في أن جزء مهما من القيادة التي أشرفت على التقييم والتخطيط تركت الجامعة صيف ذلك العام، وتوزعت تبحث عن مصيرها الدراسي بين المغرب والجزائر وفرنسا. تركت الجامعة بعدد أقل من القيادة، وفي وضع داخلي مهزوز بفعل الموقف من تحركات قيادة الحركة، ووضع خارجي سرعان ما علا احتقانه بفعل المشاكل السياسية والنقابية في الجامعة، والضرورة الطبيعية بأن يثبت الاتحاد وجوده كمنظمة جديدة غير معترف بها من السلطة ومتحداة من قبل الفرقاء السياسيين في الجامعة.

ولم تكد تأتي عطلة الشتاء، حتى فقدت الجامعة "عامل"ـها الأخ محمد الهاشمي الحامدي، كما تمت عمليات تجنيد في بعض الأجزاء الجامعية أفقدتها جزء آخر من قيادتها.

واستمر ذلك النزيف يستفرغ من الجامعة دماءها الحية و يسلمها منهكة القوى لواقع تمتص السياسة كل ماتبقى من طاقات الفعل فيه .

و حين تأكد لعامل الجامعة سنة 1988 ذلك الواقع المفزع، اقترح ودافع بشدة على أن تستعيد الجامعة بعضا من قياداتها التاريخية، من أجل برنامج إنقاذ لها يبني على تقييم سنة1985 وما بعده، و الدراسات والخطط المنجزة صيف سنة 1985 وما بعدها وشعارها الأولوية الثقافية والدعوية للجامعة، ومن أجل رسالة جديدة للجامعة تقوم على إنتاج العلم والمعرفة و بناء الكوادر والنخب التي تستطيع التموقع في مؤسسات الدولة والمجتمع، وليس تخريج المنهكين نفسيا والمشردين علميا وخاصة من النخبة القيادية.

وافقت قيادة الحركة على مقترح قيادة الجامعة، وعاد للجامعة بعض من قيادتها التاريخية وإن كان مقتصرا فقط على مسؤولي المكاتب المركزية، ولكن الأوضاع السياسية في البلاد برغم التحول في رأس الدولة بقيت تراوح مكانها، واستمرت الساحة السياسية في البلاد ومنها الحركة تنظر للجامعة على أنها وسيلة للضغط على الحاكم والتكدير عليه، و عصا تلوح بها من بعيد عليه، لتقنع بها نفسها بأنها تلوي عنقه.... و لكن أين ؟ هناك...من بعيد .... في دولة المركب الجامعي التي لا تتعدى "الروت إكس".

وهكذااستمرت الجامعة تؤدي "حربا اصطناعية" بالوكالة عن التيارات السياسية في البلاد على حساب رسالتها الأساسية العلمية وفي ابتذال صارخ لمعنى"حضورها" في مشروع تحرر البلاد من الاستبداد و الديكتاتورية.

استذكر هذا الماضي الآن باقتضاب شديد وأتساءل عن رسالة الاتحاد الآن، وقد سمعت من كلمة مسجلة لرئيس الاتحاد الجديد يعلن فيها " عمل الاتحاد على إعادة زرع وعي التنظم ...... من أجل إعادة الروح للفعل النضالي".

وأقول:

 هل هناك دروس مستفادة من تجربة مريرة وثرية للجامعة التونسية استمرت من الستينات إلى بداية التسعينات بوعي مستلب في السياسوية، و سنوات بعدها بوعي مستلب في اللاسياسة؟

 هل ندرك أن إنتاج العلم والمعرفة فعل نضالي وطني وحضاري حري بأن تشحن به النفوس والقلوب والعقول لتنطلق بطاقة بذل وعطاء هي أحوج ما تحتاجه تونس الشعب وتونس الوطن وتونس الدولة وتونس الثورة أيضا؟

هل نصل إلى الاقتناع أن أوجب واجبات الأطراف الجامعية أكاديمية ومهنية ونقابية وسياسية وثقافية واجتماعية هي كيف تتقدم جامعاتنا في ترقيمها الإقليمي والدولي وكيف نكون قوة اقتراح ومبادرة إيجابية في البلاد؟

هل يقوم الاتحاد وفصيل حركة النهضة الطلابي على مشروع هو أسمى من المناكفات السياسية والنقابية، مستعيدين بصدق وفي روحية جديدة ورؤية جديدة للجامعة، ذلك النداء الذي رفعه أخونا العزيز العجمي الوريمي خريف 1984 " يا أيتها التيارات السياسية تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم" من أجل رسالة جديدة للجامعة ووظيفة جديدة للجامعة وواقع جديد للجامعة يعلو فيه الحماس والتنافس والتسابق من أجل إنتاج علمي أكبر واكتشافات واختراعات أكثر وبحث وتنظير أعمق وطلاب وطالبات يتخرجون مجهزين بأدوات العمل والانتاج المباشر لا محملين بحزمة شهائد لا تشفي من ظمأ ولا تسمن من جوع ؟

هذه بعض من آمال جيل عاش ذلك الماضي بحلوه و مره و كل ما يتمناه أن يجبر اللاحق كسر السابق و أن يبز الخالف السالف .

تاريخ أول نشر 23\4\2013