ما يحصل اليوم يمكن قراءته بمناظير كثيرة ...
على مستوى "الماكرو - ثورة" حالة عادية مرت بها كل الثورات ... في البداية يسقط رأس النظام/ السيستام، ولكن بنيته المعقدة تبقى تقاوم، وهي عدا لحظة السقوط الاولى، تستعيد قوتها وتعود للحكم من جديد في سرعة مذهلة .... هذا تقريبا قانون عام لكل الثورات .... لذلك من الطبيعي أن لا تتحقق مطالب الثورة في الكرامة مباشرة، ومن الطبيعي أن تجد قوى الثورة عجزا في الدفاع عن استحقاقاتها، وتبقى تصارع وتوازن بين المحافظة على الحد الضروري أو ترك الكل ... ومن الطبيعي أن ينالها غضب الشعب وربما عقابه ....
السؤال هو هل أن ما تتوخاه قوى الثورة من "سياسات" في صراعها مع السيستام القديم مجدية أم لا ؟
الذي لا يمارس السلطة من داخلها، ويكتفي بدور الملاحظ، تبدو له العملية أسهل من أن ينفق فيها جهد تفكير كبير ... وعامة الناس لا يرون إلا من ثقب مصالحهم المباشرة .... ويتحول المشاركون في الحكم الى هدف ابتزاز السيستام الذي ما زال يحكم بقوته الناعمة والخشنة، وإلى غضب العامة الذين يذهلون عن تعقيدات الحكم، وعن سطوة السيستام، وعن أنهم هم ذاتهم يساهم النظام بشكل كبير في صياغة انفعالاتهم وردة أفعالهم ... يدفعهم الغضب الأعمى دفعا ليجعلهم وقودا جديدا يسترجع بهم حكمه.
قوى الثورة الآن منقسمة، بل هي تتسابق جميعا للتحالف مع السيستام، من أجل إقصاء خصمها بزعم أنه عدو الثورة ... وكلهم يحدث نفسه بتحالف تكتيكي مع السيستام، لينقلب عليه في ما بعد، والسيستام يعاملهم بنفس القدر ويخطط للهدف نفسه ... يستعملهم ليتخلص منهم .... ولإنجاح التكتيك، يتم إنتاج " خطابات ذات مضمون استراتيجي"، تتحول فيما بعد الى محاولة "قظم" جزء من السيستام، لتحويله لـ"مادة صالحة للثورة"!!!
أشياء تفرضها الممارسة السياسية، ولكنها في الباطن هي صراع أقوى للبنيات الثقافية والنفسية والاجتماعية ما فوق السياسية .
كل هذا الصراع والتعقيد دون النظر من منظار العلاقات الدولية وتعقيداتها الإقليمية والدولية . ودون النظر من المنظار الأقتصادي العالمي وغيرها من المناظير ....
ما الحل ؟
الحل هو في استمرار الصراع واستمرار الضغط ... على الشعب أن يكون حاضرا وأن يحتج وأن يتظاهر وأن يضغط .... عليه أن يمارس احتجاحه على السيستام وأن يضغط على قوى الثورة .... وقوى الثورة هي أول من تحتاج اجتجاجه وضغطه، فضغطه عليها يفيدها من حيث أنه يمنعها من أن تكون فريسة للسيستام، ويساعدها على التغلب على السيستام، ويطهرها إن خالطها دخن السيستام، ويكنسها إن ابتلعها السيستام .... لكن الجماهير بدون قيادة واعية وواضحة مجرد قوة عمياء، وغضبها يحرقها ولا يحرق خصومها فقط ...
هل يثور الناس على الديمقراطية ؟ نعم يمكن أن يثور الناس على ديمقراطية عرجاء هشة ... ديمقراطية حق الكلام فقط .... ديمقراطية التشتت والتناحر .... وكل ديمقراطية شكلية ليس لها مضمون اجتماعي ... ديمقراطية تقسيم الغنائم بين "التضامنيات" التي تكرس التسلط وتتآمر بليل ونهار على الشعب وهي ليست الأحزاب فقط ولا هياكل الدولة المعلومة ....
ولكن يمكن أيضا أن تسرق هذه الثورة على الديمقراطية في مهدها أو في الطريق، فتستعمل بخبث وذكاء من المتصارعين على ابتلاع المنافع أو أعداء الشعب الحقيقيين .
ويبقى من المنطقي جدا أن لا يكون الناس مسؤولون عن عجزك إذا لم تؤمن لهم مطالبهم وقد أعطوك أصواتهم لتحكمهم وفق وعودك ... والشعوب براجماتية ... يهمها في الأخير أمنها وعيشها ...
تاريخ أول نشر 2021/7/25