قال أردغان "كلاما جميلا" و"هدد كثيرا" و تحدث بشكل غير مباشر عن مخططات أعداء الأمة وأعداء تركيا أيضا. لكنه لم يعلن عن أي قرار ... وكان أقصى ما صدر عنه هو ما كان يقوله في مواجهة الإرهابيين من حزب العمال وغيره من الفصائل الكردية الأرهابية كناية عن صدور القرار ولم يبق الا التنفيذ : يمكننا أن نأتي على حين غرّة ذات ليلة".
يبدو التقدير التركي يرى أنه ما لم يستطع حشد بعض الدول معه فإنه لا يستطيع أخذ قرار عملي له تأثير مباشر على الأحداث والتي أقلها وقف إطلاق النار وفتح معبر رفح لإدخال المساعدات والوقود والاحتياجات الضرورية الأخرى.
ويبدو أن محاولات تركيا في استنهاض الدول العربية الكبرى ودول الطوق لم تبلغ مبلغ التوحد للخروج بقرار مشترك كيفما كان حده ولو مجرد الضغط لإدخال المساعدات أو وقف إطلاق النار.
ونفس الأمر مع منظمة التعاون الإسلامي التي لم تخرج هي أيضا عن مستوى التنديد و المطالبة.
كانت تركيا حازمة وغير مترددة في التحركات التي تمس من أمنها القومي المباشر، مثل التحركات في شرق المتوسط، حيث لم تنتظر قرارا مشتركا للقيام بردة فعلها. لكنها خاصة وهي ليست من دول الطوق، لم تجد المبررات الكافية، ولا الطريقة المناسبة للتدخل المباشر ميدانيا لا إغاثيا ولا عسكريا.
يبدو أيضا أن الموقف الإيراني قد حد من اندفاع تركيا، حيث يقوم الإيرانيون بعملية حسابية دقيقة، رغم أن إمكانية مناوراتهم ميدانيا وعسكريا أكبر من تركيا، من حيث وجودهم غير المباشر في خطوط التماس في لبنان وقاعدتهم اليمنية ووجودهم في سوريا والعراق يمكنهم من لعب دور لا يستهان به.
عالم السياسة ليس بالتأكيد عالم النوايا الطيبة أو العنتريات أو ردود الأفعال.
تركيا تعرف أنها في مناخ مليئ بالتآمر، و تملك أجهزة مخابراتها القدرة على الاطلاع على ما يدور في الغرف المظلمة وما يمرر تحت الطاولة ... وظني أنها على اطلاع كاف بما تمارسه دول الطوق وسلطة رام الله من تآمر ... ولكنها مجبرة على عدم استعدائها لأنها ستقطع إمكانية القيام بدور ما ولو كان قليلا إزاء شعب غزة الأبي.
في هذا الإطار ورغم أنها اتخذت بعض الخطوات العملية الديبلوماسيةفي علاقتها بالكيان، لكنها لم تغلق الباب بالكلية، وضلت على موقف الإدانة لقتل المدنيين من الجانبين، رغم أنه لا يمكن المقارنة بين المدنيين الفلسطينيين وبين عصابات المستوطنين، وذلك من أجل عدم الخروج عن الموقف الدولي الذي تضمنه القرار الأممي، وحتى لا تغلق الباب تماما بينها وبين من يمكن أن تحتاجهم عند تطور الأوضاع.
من الناحية الموضوعية يبدو الموقف التركي متقدما، ولكنه مكبل بمحيط متخاذل في أغلبه، و مناور في بعضه.
خذ لذلك مثلا القرار الأممي الذي صدر بالأمس. كان يمكن أن يكون له تأثير إلزامي بنفس إلزامية قرار مجلس المن لو بلغ الثلثين، لكن تحفظ 40 دولة ومنها تونس جعل القرار يفقد صفة الإلزامية.
منظمة التعاون الاسلامي وأعضاؤها حوالي ثلث الأمم المتحدة، لو تقدمت بمشروع قرار أممي لكان له تأثير، و لن يقع التعامل معه بازدراء، و سيتمكنون من فرض قرار وقف اطلاق النار على الاقل وادخال المساعدات.
بعض الدول العربية و هي اساسا دول الطوق وخاصة مصر والاردن مضافا اليها العربية السعودية وقطر و معهما تركيا لو توافقوا على ضغط ما لاستمع اليهم. لكن من الواضح جدا أن أي من تلك الدول باستثناء قطر وتركيا لها حسابات أخرى منها مساندتها لخيار القضاء على حماس ... وبما فيها الخضوع لقرار التهجير وفق سيناريو استمرار الإبادة والتدمير حتى الاخضاع التام للفلسطينيين أو إبادتهم.
الشارع العربي والاسلامي والعالمي رغم تناميه إلا انه لا زال دون المأمول ولا زالت الأنظمة قادرة على ضبطه والتحكم في وتيرته.
ماذا بقي ؟
لم تبق إلا المقاومة .... صمودها .... هي الوحيدة التي تقوم بتحريك المياه الآسنة تمهيدا لاستبدالها بماء السماء ... غيثا نافعا يحيي صحاري ملح .... وما ذلك على الله بعزيز .... فما جرى يوم 7 اكتوبر كان خارج دائرة الخيال ... لكنه وقع ... وبدل وجه التاريخ ...
تاريخ أول نشر 2023/10/28