من دقائق فقه الكتاب والسنة، ان تكون قيمة الموضوعات عندك بقدر الحجم الذي أعطاهما الكتاب والسنة لها ... فليس لموضوع نال فيهما نصا أو نصين أو حتى بضعة نصوص نفس القيمة التي لموضوع آخر استفاضت به النصوص وأخذت فيه أشكالها كلها.
من المواضيع مثلا كل ما يتعلق بالسحر والعين ... فما ورد فيهما محدود العدد قرآنا وسنة ... فهل من المعقول ان تتحول حياة المسلمين الى انها محكومة بالسحر والعين ... بينما تترك النصوص المستفيضة حول ان الأصل في الحياة العمل والتوكل !!!
ونفس الأمر عند الحديث عن الأخلاق والتعامل مع الآخر، حيث تترك النصوص المستفيضة التي تلزم المسلم بنظافة القلب واللسان واليد، ويُستمسك بتأويل بعض النصوص والاستناد إلى وقائع محدودة جدا لم يبلغ نقلها مبلغ التواتر حتى، لتحليل الطعن والقذف والسباب والاخذ بالظنة، وحتى استحلال الدماء وأكل أموال الناس بالباطل وهتك الأعراض وتحميل من لا وزر له وزر غيره لمجرد اشتراك في قرابة أو نسب أو ما إلى ذلك .... كيف تترك النصوص المستفيضة والوقائع المتواترة التي تقدم "بورتريه" المسلم النظيف العفيف الطاهر لنُحول الاستثناء حتى وإن ثبت الى أصل !!! لقد بلغ ببعض الأحاديث النبوية أن نعتت المسلم بأنه "غر" يعني بلغتنا " نية"، وليس ذلك عن ضعف أو دعوة للتخاذل أو الاستكانة، ولكنه التزام وإلزام بأخلاق الاسلام في حسن الظن بالناس وعدم الرد على جهالتهم .
من فقه الشيخ الغزالي رحمه الله أنه في كتابه فقه السيرة كان قد رد حديثا صحيحا يتحدث عن أن النبي قد غزا بني المصطلق "وهم غارون" أي بدون إنذار بالحرب، ورجح عليها رواية ابن هشام في سيرته، وقال أن محمدا عليه الصلاة والسلام لا يمكن ان يقوم بعمل يخالف آداب الاسلام في الحرب وهو الذي علم أصحابه ذلك وقال فيه رب العزة "وإنك لعلى خلق عظيم" ....
لا يحتاج مسلم امتلأ قلبه وعقله إسلاما وإيمانا إلى مفسر ليقول له إن قوله تعالى " واعتدوا عليهم بمثل ما اعتدوا عليكم" تبيح له ممارسة فضاعات غيره في التمثيل بالقتلى وتعذيب الأسرى وارتكاب المحرمات الشرعية لا لشيى إلا لأن العدو استعملها !!! هذا في الممارسة العملية .... أما في القول فبنفس القدر لا يحتاج مسلم تشبع بأخلاق الاسلام وتشرب نصوصه إلى أن يرى في قوله تعالى: " لا يحب الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم" ما يبيح له ان يتحول إلى طعان ولعان وفاحش وبذيئ !!!
رسالة الاسلام الأولى أخلاق أو لا تكون ... والأخلاق هي الشريعة الحقيقية قبل الأحكام العملية في التحليل والتحريم ... ليس في السنة ما يمكن أن تظفر به من استباحة فحش القول إلا واقعة يتيمة -هذا إن ثبت صحتها- لا ترقى لأن تكون مستندا يجيز للمسلم الضرب صفحا عن كل النصوص التي تجعل المسلم عنوان الطهر والنظافة والعفة والجمال باطنا وظاهرا... مثله كمثل "الاترجة ريحها طيب وطعمها طيب"... و "الله طيب لا يقبل إلا طيبا" ... و" جميل يحب الجمال" ...
تاريخ أول نشر 10\4\2022