search

من وحي حوار الوزير السابق فوزي عبد الرحمان

ظهر الوزير السابق فوزي عبد الرحمان في حوار على قناة الزيتونة ليلة أمس السبت 5 أكتوبر 2025 مع الإعلامي القدير عامر عياد.

أتابع منذ مدة الوزير فوزي عبد الرحمان، ويشدني لمنشوراته جدية طرحه وطرافته واعتداله، ورغم أنني "اشتبكت" معه مرة، إلا أن ذلك لم ينقص لدي قيمة ما ينشره ويعبر عنه.

في هذا الحوار، وجدتني معه في كل ما طرحه تقريبا. بداية من روحه المتفائلة، رغم عمق نقده للماضي والحاضر. وعكس ما عليه الكثيرين ممن يرون النخب صماء عمياء لا تسمع ولا ترى، فإنه يؤمن أنها إذا التقت وتحاورت يمكن لها أن تدير حوار مثمرا ومنتجا. وهو يؤمن أيضا بالممكنات التي تختزنها تونس ماضيا وحاضرا، ويرى أن ما وصلت إليه تونس، وما أحدثته الثورة، جعلها تسبق جاراتها بأشواط. وهي مسافة لم تضيقها ما يبدو من "استقرار" ظاهري لديها وعدم استقرار لدينا.

يعطي السيد فوزي عبد الرحمان أهمية كبرى للتداول والحوار المجتمعي، ويعتبر أنه هو عماد الديمقراطية، وهي نقطة جوهرية ألتقي فيها معه.

كما يرى في تحليله لأوجه القصور لدى النخبة ومن ورائها الأحزاب والتنظيمات الاجتماعية، أن هناك فراغا مضمونيا لم تقم بملئه، واستمر لحد الآن، وهو ما يجب أن يحضى بالأولوية. هناك فراغ فكري ( يمكن التعبير عنه بالفراغ الإيديولوجي بالمعنى الإيجابي لللإيديولوجي) وهناك فراغ على مستوى ما نطلق عليه المنوال التنموي، كما أن هناك فراغ على مستوى البرنامج الحكومي. ذلك ما كشفت عنه تجربة مرحلة الانتقال الديمقراطي، حيث دخلت الأحزاب ميدان المنافسة، وتصدت لممارسة الحكم، وهي تكاد لا تملك من هذه المستويات الثلاث إلا شعارات. ولما كان المستوى الثالث وهو البرنامج الحكومي لا يمكن أن يقوم على مجرد الشعارات، فقد أوكلت جميع الأحزاب التي تصدت للحكم مهمة إنجازه للإدارة، وهي بطبيعتها محافظة وتقنية.

لفت انتباهي أيضا إشارته الثاقبة لموضوع الملكية، واعتباره من أهم الملفات التي بقيت على حالها، ولم يقع حلها حلا يصب في إطار رؤية تنموية ومنوال تنموي جديد. كنت كتبت منذ سنوات أن هذا الموضوع من الملفات التي أهملت أو وقع التغاضي عنها. بل لقد فوجئت أنه رغم أن تونس انتصبت بها محاكم عقارية منذ الاستقلال، إلا أن مشاكل الملكية لا زالت كما هي. وأي منوال تنموي يواصل القفز على حل جذري وعميق لموضوع الملكية فلن يكتب له النجاح.

النقطة الأخيرة المهمة التي تناولها الحوار هي تصوره للمخرج من وضع العطالة التي عليها الساحة، وخاصة الساحة المعارضة للإنقلاب. وهنا ايضا أجد نفسي معه تماما في ما اقترحه، وقد كنت طرحته في مقال بعنوان:"مواطنون من أجل الحرية والعدالة". فهو ينادي بأن تتكون مبادرة تقودها شخصيات مستقلة تتصدى لإدارة حوار حول المحاور الثلاث التي يرى أنها ما يجب التركيز عليه وهي: الرؤية الفكرية والمنوال التنموي (هو لم يستعمل هذا المصطلح) والبرنامج الحكومي. كما تقدم رؤية عملية وخارطة طريق لغلق قوس الانقلاب.

هذه بعض المحاور التي رأيت التركيز عليها، لكنني كما ذكرت، وجدت نفسي منسجما مع كل الأفكار التي طرحها، سواء في تحليله للواقع، أو في نظرته للمستقبل.

وأحيي فيه روحه المتفائلة ونظرته الواقعية وفي نفس الوقت الطامحة للتغيير والتجديد.

تاريخ أول نشر 2025/10/5