search

من ينزع الفتيل ؟

بحسب ما أتابع من ردة فعل النخب السياسية جميعها، سواء من عارض الانقلاب أو أيده. وبحسب المؤشرات الأولى من اعتقالات طالت نوابا ليس لهم علاقة بالفساد وانما بمعارضة الرئيس. وبحسب الأخبار الرائجة التي لم تكذب حول تدخل مباشر وعلى الميدان للمصريين وللاماراتيين و حديث عن عمل في الميدان لشركة بلاك وتر المشهورة التي غيرت اسمها وتعمل لحساب الاماراتيين. وبحسب ما نشر عن الطريقة التي تم بها ارغام المشيشي على الاستقالة وكيف تم مخادعته وجلبه للقصر ... وهناك في قصر السيادة مارس عليه الاجانب العنف لإقالته .....

كل هذه المعطيات تقول أننا دخلنا "عصر الديكتاتورية" من بابها الواسع. ولن يستطيع سيل النخبة الذي يتقاطر الان حول الديكتاتور من اخفاء وجه الديكتاتورية القبيح ولو كتبوا المعلقات أو الموسوعات. كل ما سيفعلونه هو أنهم سيعطون الفرصة للديكتاتورية أن تتمدد و "تعرق وتورق" .... وسيجد الكثير من النخبة "طيبة النية" التي تعتقد انها بسلوكها "الساذج" وهي تطلب من الديكتاتور "الضمانات" ويقابلها بالكلام المرسل من جهة وبالتمدد الديكتاتوري على الارض من جهة ثانية ... تلك النخبة ستجد نفسها بين حلين اثنين : التسبيح بحمد الانقلاب والديكتاتورية أو الوقوع تحت سنابك خيل الانقلاب.

كل "حسن النية " الذي أظهرته النخبة سيترد عليها سريعا وستندم حين لا ينفع الندم ... وكل ما نحاول تقديمه للنخبة من حجج تعرفه جيدا ... سواء فلسفيا أو سياسيا أو تاريخيا أو من التجارب الماثلة أمامنا الآن.... لكنها نخبة نحكمها العواطف وتسيرها الاحقاد والاطماع وذلك هو تاريخها الاسود في تونس ويكفي الباحث أن يتتبع سلوكها منذ منتصف القرن التاسع عشر والى الان.

اذن سقطت البلاد في الديكتاتورية سقوطا مريعا ... لا بل سقطت في احضان قوى الثورة المضادة العربية الخادمة المطيعة للص ه يو نية ....

كنا دائما نقول ان استقلالنا منقوص ولكننا على الاقل بعد "الاستقلال" لم نشهد تدخلا مباشرا في ادارة شؤوننا الداخلية الامنية كما يتناقل الان ....

لم يفعلها بورقيبة ولا بن علي ... وهي وصمة عار في جبين قواتنا ... وفي جبين الحاكم الديكتاتور لن يمحيها الدهر كله ....

هل يمكن نزع الفتيل ؟

اليوم الاول والثاني بدا للتونسيين أنهم كما لو صنعوا تجربة فريدة حتى في النكوص للوراء ستكون لهم نسختهم التي لها خطوطها الحمراء : لا للفتنة العمياء، لا لانتهاك حقوق الانسان، لا لاستعمال القضاء وفبركة القضايا السياسية، لا لانتهاك الدستور والقانون .....

لكن كل ذلك الامل بدأ يتلاشى اليوم وان لم بتدارك فإن الوضع يتجه للنسخة المصرية التي دمرت مصر ووضعتها في احضان اعدائها وقبل ذلك في احضان فتنة عمياء.

النهضة .... أم الولد ...

بحسب ما لخصت من حركة التدهور والسقوط المتسارع في وضع البلاد، فإن من يملك نزع الفتيل .... ودون ضمانات كبيرة بسبب التأخر في اجتراح الحلول وانطلاق عجلة الانقلاب ودخول الحاقدين على الخط كأعوان للانقلاب وهم في الحقيقة يريدون من وراء ذلك تنفيذ اجنداتهم الخاصة في الاستئصال ....

بحسب كل ذلك فإن النهضة مدعوة بكل واجباتها الدينية والوطنية ... بكل حرصها على مصلحة الوطن والامة .... بكل خبرتها وتجربتها مع النخبة والانقلاب .... بكل مسؤوليتها التاريخية وشجاعتها في الاعتراف بالخطأ ....

مدعوة بكل ذلك الى أن تلعب دور "ام الولد " الذي اضطرها ذات صيف 2013 أن تلعبه حماية للوطن والمواطن وانقاذا للثورة من مصير مماثل لما حصل في مصر.

ما قامت به 2013 استطاع تأجيل النكوص 7 سنوات وانتهت صلاحيته .... مكن تونس من اجراء 3 انتخابات وكتابة دستور ولكنه لم يتجاوز ذلك سواء لحماية الثورة او للتقدم في تحقيق كرامة التونسيين على مستوى الاصلاح الاجتماعي والاقتصادي .

و في ظل حرصها الشديد على المحافظة على المسار الديمقراطي قبلت خطأ القبول بالنتائج الهزيلة على مستوى الديمقراطية الاجتماعية .... بل اعماها حرصها على المسك بخيوط "اللعبة السياسية" عن الانشغال بـ"اللعبة الاقتصادية" التي هي جذر ككل الالعاب الاخرى. رضيت بمقايضة الفاسدين عوض محاربتهم وبقيت تمني النفس في الوصول الى يوم تتمكن فيه من قيادة حكومة مستقرة قوية لتحارب الفساد وتقوم بالاصلاحات .... في حين ان الفساد استفاد من تكتيكاتها ليورطها بممالأته .... كان هذا احد الخلافات الجوهرية مع قيادة النهضة .... لم تستمع لنصائح القريبين والبعيدين ولا لنقد الخبراء والاخصائيين .... وبدا لها ان الحفاظ على المسار الديمقراطي ولو بوجود هامشي في الحكم اولى من ترك الحكم خشية الانقلاب على المسار !

طبعا مع الاخذ بعين الاعتبار عوامل اخرى كثيرة داخل النهضة ذاتها وخارجها ساهمت في انزياح النهضة المتسارع نحو الهاوية السحيقة لممارسة سياسية ساذجة وسياسوية مقيتة.

على النهضة الان أن تتحمل مسؤوليتها وتعلن للناس أنها ارتكبت اخطاء ساهمت في الوصول بنا الى هذا الوضع، وأن ما قام به خصومها من تآمر وتعفين يجعلهم شركاء في الاثم ولكنه لن يعفيها هي من تحمل المسؤولية .

وعليها ان:

- تعتذر للشعب التونسي الذي وضع فيها ثقته ولكنها لم تكن اهلا للثقة فضاع المسار الانتقالي بين يديها .... اعطته وعودا فأخلفتها وقدمت ضمانات فما رعتها.

- ان تعتذر لشركائها في النضال ضد الديكتاتورية .... لا يعني ان اولائك لم يخطؤوا .... ولكن العاقل من يتحمل مسؤوليته ويجعل الوزر عليه خاصة عندما تكون النتائج كارثية .

- أن تعفي قيادتها الحالية جميعها من المسؤولية وتكلف قيادة ازمة ممن ليس لهم صورة سلبية لا داخلها ولا مع الشعب ولا مع النخبة ولا مع قيادة الانقلاب ولا مع الاطراف الاجنبية ..... عليها ان تكون حاسمة وتبذل جهدا كبيرا في هذا المضمار ..... وهي تعج بالنساء والرجال والشيوخ والكهول والشباب الذين يمكن ان يتقدموا للمهمة .

- أن تعلن استعدادها الكامل لوضع نفسها وقياداتها أمام القضاء العادل المستقل وانها لا تخاف احكامه بل انها سترحب بها وانها لن تحمي احدا ولن تتستر على احد من ابنائها وقيادتها ثبت انه انتهك القانون في اي وجه من وجوهه .... ولكنها حتما ترفض قضاء التعليمات والملفات والقضايا الانتقائية.

- على النهضاويين جميعا قيادة وقاعدة أن يتذكروا بداياتهم التي كانوا فيها دعاة الى الله لا يحركهم الا رضاه وانهم لم يحلموا بغير دولة الحق والعدل والحرية وأن وطنهم أكبر من التنظيم والحزب والقيادة وأن الله لن يضيع أعمالهم وأن المؤمن رجاع الى الحق وأنه يقول الحق ولو على نفسه وأنه يرضى أن يكون عبد الله المقتول على أن يكون عبد الله القاتل وأنهم وغيرهم مجرد حلقة في سلسلة التاريخ وأن الزمن ليس موقوفا عليهم ولا على غيرهم وأن أحلامهم التي عجزوا عن تحقيقها عليهم أن يتركوها نظيفة غير مختلطة بفساد أو عناد .

التاريخ لن يغمط صفحاتكم البيض..... ومواقفكم الشجاعة كفيلة بأن تمحو أخطاءكم التي ارتكبتوها كما يرتكب كل البشر الأخطاء.

- على قيادة الازمة أن تكون شجاعة وقادرة على فتح جبهات التواصل مع الجميع وعليها أن تكون حازمة وحاسمة وواضحة جدا في مواقفها وأن تترك السياسة الصغيرة وراءها ظهريا.

- ليس مطلوبا من قيادة الازمة في تقديري أن تمالئ الانقلاب ولا أن تتخلى عن الشرعية الدستورية وعليها أن تناضل ضمن القوى المتبقية في صف الثورة بحق وعليها أن لا تنفرد بتحرك أو موقف بخصوص سبل مقاومة الانقلاب .

عالم السياسة عالم الممكنات بلا حدود وهو مليئ بالمفاجآت .... لكنني لن افرح بغير طريق تحمل المسؤولية وطريق الوضوح وطريق الحرية للجميع وطريق السلامة الحقيقة لتونس وطريق التألف الوطني والمصالحة الوطنية.

"و ما توفيقي الا بالله"

"ان اريد الا الاصلاح ما استعطت"

تاريخ أول نشر بتاريخ 2021/7/31