ما سأطرحه من أفكار، تأخذ بعين الاعتبار كل الحوارات التي دارت حول استعادة الديمقراطية واستكمال إنجاز مطالب الثورة، وخاصة الحوارات الأخيرة التي طرحت حول مواطنون ضد الإنقلاب، وأخص بالذكر مقالات ونقاشات إيناس حراث والحبيب بوعجيلة وعامر عياد والأمين البوعزيري.
لن أعود للماضي بما فيه ماضي مواطنون ضد الانقلاب، وأفترض أن القارئ قد عايش المرحلة أو قرأ التقييمات حولها، من خلال ما كتبه السادة المذكورون أعلاه وغيرهم، وكنت شخصيا كتبت أكثر من مقال موجودة في منصة منظار الإلكترونية.
سأتقدم برؤيتي حول المستقبل، مستقبل التجاوز والإنجاز، مع التأكيد أنني لا أؤمن بالقطيعة، وإنما بالتراكم، الذي يحتفظ بالصالح في القديم، أو يبني عليه، أو يطوره تطويرا يفترض في ما يفترض تجاوز بعض ما يكون الاحتفاظ به عائقا عن إحداث التراكم، أو غير قابل للبناء عليه، أو أنه لا يكون قابلا للتطوير ما لم يتم تهذيبه أو تشذيبه أو إسقاط بعض أجزائه.
أنا مع ما طرحه أكثر من شخص، من ضرورة تغيير الاسم، الذي هو عنوان الحراك وشعاره المركزي. وكما هي الشعارات تكون رمزية ومكثفة، تبرز من خلالها الكلمة أو الكلمات المفاتيح، وتحمل من خلال صياغتها ما يسمح بلفت الانتباه، والانفتاح على أفق واعد بالتغيير.
أقترح إسم الحراك الجديد: مواطنون من أجل الحرية والكرامة. كلماته الثلاث محورية ومعبرة، وتحمل دلالات عميقة ذات بعد تقييمي للماضي، واستشرافي للمستقبل، في نفس الوقت الذي ترتكز فيه على رؤية متكاملة تمس المنهج والمضمون. فالمنهج يختزل هنا في كلمة "مواطنون"، فمجتمع المواطنة هو الذي سينجز التغيير، وهو أيضا من سيقود الإنجاز بعد التغيير، وهو غير "الشعب"، ذلك المفهوم الذي أفرغ من كل محامله الإيجابية تقريبا، ولم يبقى فيه إلا "الشعبوية"، التي تستعمل المقولة من أجل أن تمارس من خلالها ما عجز القديم أو الثورة المضادة عن تنفيذه بوسائل القهر والإرهاب الظاهرة.
أما "الحرية" و"الكرامة" فهما مضمون الثورة، ومطالبها الأولى، والتي بقيت بدون إنجاز. ورغم أن عشرية الانتقال الديمقراطي، قد بذلت جهدا على طريق تحقيق أهداف الثورة في الحرية، لكنه كان إنجازا منقوصا، وجناحا مهيضا في شبه غياب كلي للجناح الأخر ألا وهو الكرامة.
أما "من أجل" فتحمل المعنى والدافع والغاية، وهي هنا ذات منحى إيجابي، وليس سالبا كما كان الشأن في "ضد" في الإسم السابق. كما أنها تستبطن تقييما لكل ماضي ما بعد الثورة وليس الإنقلاب فقط.
وهكذا فالاسم يختزل الموقف العام تقييما وأسلوبا ومضمونا لإنجاز التغيير وما بعد التغيير.
المهمة الرئيسية لحراك مواطنون الجديد بالنسبة لي، هو الإشتغال على الفكرة وعلى الرؤية والبرنامج، وهي المهمة الغائبة التي ظهر فيها عجز الأحزاب والمنظمات المدنية ولم تولها مواطنون السابقة أهميتها المطلوبة.
ما نحتاجه للمستقبل، هو إنتاج الأفكار وطرحها في الساحة السياسية، وفي التداول المجتمعي، من أجل امتحان قابلية تبنيها ومن أجل ترسيخها في الوعي والممارسة.
والأفكار هنا هو كل ما يتعلق بالمنهج، أي الطريق لغلق قوس الحاضر، ثم بناء الرؤية المواطنية الجامعة ثم إعداد بديل الحكم.
هذه المهمة تبنيها مواطنون من أجل الحرية والعدالة، من خلال برامج جزئية لإدارة الحوار العمومي عبر وسائل التواصل المختلفة، والتخصصي بحسب المجالات والفاعلين. وتكمن مهمتها في رعاية ومراقبة الحركية وصياغة الاستنتاجات وتحويلها إلى عملية بنائية ووضعها في سياق خارطة طريق التغيير.
ليس لما أقترحه علاقة بالمفهوم التقليدي لخلايا التفكير النظري التي تصاغ وراء الأبواب الأكاديمية أو التنظيرية المغلقة. إنها يجب أن تدار بانفتاح على الواقع ويمتحنها التداول المجتمعي الحر.
ليس مهمة الحراك أن يحل محل الأحزاب والتنظيمات، ولكن مهمته الرئيسية هو أن يدفع كل هؤلاء أن يتجددوا، من أجل يلعبوا دورهم الحقيقي الذي لا معنى له بدون رؤى جديدة لـ"وطن جديد" يقرر الأمر فيه مواطنوه ( على قاعدة "وشاورهم" كما يقول الأمين البوعزيري) وبرامج للحكم، هذا بالنسبة للأحزاب، أما التنظيمات المدنية فمهمتها الرئيسية هي كيف تبني مجتمعا محافظا على عنفوانه المواطني الذي لا يسمح للسلطة إلا أن تكون خادما له لا راعية له.
أعود لأؤكد أن مهمة الحراك الجديد هي مهمة التأطير العام والتوجيه العام ومرافقة المبادرات ولعب - بما يسمح به المقام - دور بيوت الخبرة ودور جماعات الضغط ودور المساندة العملية للمبادرات بما فيها المبادرات الميدانية.
وأحلم أن يكون لقيادة الحراك فريق من المتخصصين في عالم البرمجيات ممن يملكون وعيا وعمقا في فهم رسالة الحراك. أقدر أن وجود هذا الفريق سيحقق نقلة نوعية للحراك وسيمكنه من تحقيق رسالته وأهدافه بشكل أفضل وفي وقت أسرع.
وفي إطار إنجاز مهمته أو مهماته التي سردناها أعلاه، أرى أن الحراك مطالب بشكل خاص بإيلاء اهتمام خاص وعناية خاصة وبرنامج خاص للشباب بصفة عامة وللشباب التلمذي والطلابي بصفة أخص، سواء بشكل غير مباشر من خلال فروع الشباب في الأحزاب والتنظيمات أو المنظمات الشبابية، أو من خلال التفاعل المباشر. عليهم أن يكون شعارهم" أي تحول لا تحتضنه قوة شبابية لا مستقبل له".
لقد مثلت النواة الصلبة لـ"مواطنون ضد الانقلاب" نموذجا لمجموعة من المثقفين العضويين الذين يمتلكون قدرة على التفكير والإبداع، ولهم خبرة عملية وميدانية متراكمة، وعلاقات ممتدة ومتنوعة، كسبوا بها احترام الناس وفرضوا احترامهم وعدم تجاهلهم على الجميع. كما استطاعوا أن يشكلوا حولهم - ربما بدون تخطيط - دائرة من أهل الرأي والخبرة والاستقلالية كان يمكن لو استمرت التجربة وتطورت وفق المنظور الذي أطرحه الآن، أن يقدموا استثناء في القدرة على إنجاز التحولات النوعية، التي لا تكتفي بالعمل على "إسقاط انقلاب"، وإنما ببناء واقع جديد يحكمه "المواطنون" وتتحقق فيه "الحرية والعدالة"، الثنائي الذي قامت لأجله ثورة لم تخمد نارها حتى وإن علا جمرها الرماد.
تاريخ أول نشر 2025/9/29