قائمة الإخوة والزملاء والرفاق والأصدقاء الذين أتابع كتاباتهم المنشغلة بالشأن العام، والمعارضة للانقلاب، والتي تعتبر نفسها منحازة إلى ما نسميه "قوى الثورة"، تنفق طاقات هائلة وجبارة في متابعة الأحداث، وتتتبع "الصغيرة والكبيرة". وبعض تلك الطاقات، تكاد تكون مستهلكة في وظيفة "وكالات الانباء"، مع شيء من "الملح" في شكل تعاليق "تنبيرية" و"تنمرية"، باعتبارها نقدا ساخرا للأوضاع، داخل في إطار "مقاومة الإنقلاب".
إضافة إلى ذلك، تكاد تنغلق دائرة الاهتمام في وظيفة "الكشف" و"التحليل" و"الحفر" و"التفكيك" لما يصدر عن الانقلاب وفواعله ومستنديه زأنصاره. وهو جهد لا يجادل أحد في أهميته. لكن الاقتصار عليه لن يحدث في الواقع تغييرا، لا بل إن بعض مستوياته تلعب دورا سلبيا، من حيث انها تبعث رسائل تقدم الانقلاب كقوة قاهرة، جثمت بكلكلها ولا راد ولا رادع لها.
في نفس الإطار تندرج "حمى" الانشغال بمن خانوا الثورة وغدروا بها، ومن هللوا وزغردوا نكاية في خصم/عدو نار الانقلاب ارحم إليهم من جنته ... طاقات رهيبة تنفق وتجد احتفاء خرافي من أنصار الثورة، لا يساهم غالبا إلا في تفريغ شحنات غضب عارم ... فتضيع بذلك طاقة للعمل، حيث يتم تفريغها في السب والشتم الذي يتجاوز الحدود.
وفي نفس الإطار أيضا تلك " المشترة" التي تنصب في كل مناسبة بين أنصار وحدة "المعارضة" ولو مع من هللوا وصفقوا للانقلاب، ولكنهم لأسباب متعددة منها انه لم يعرهم اهتماما ولم يحفل بهم بل بدأ يستهدف بعضهم، فانظموا إلى معارضيه ولو في شكل مساندة نقدية، وبين من لا يرجون من ذلك خيرا، ولا يرجون خيرا فيهم ولو تعلقوا بأستار الكعبة، لدرجة ان بعض هؤلاء قد يرى انه يمكن ان يلتقي مع قيس ولا يلتقي مع هؤلاء.
الشاهد في كل ما ذكرناه ليس عدم وجاهة ذلك بالمرة، وإنما في استحواذ كل ذلك على طاقاتنا، فيساهم في تبديدها في ما لا يجوز التبديد فيه، كما يساهم من حيث نشعر أو لا نشعر في توفير مناخ نفسي يمد في انفاس الانقلاب، ويحول الانطباع الحاصل بقوته إلى القناعة بها، وبالتالي العجز عن مقاومته وضعف الأمل في تغييره.
ودعوتي الملحة هو ان نقلص حجم الانشغال بالتفكيك والكشف والفضح والتشهير، ونوسع بل نركز جهودنا في العمل.
ويبدا العمل الحقيقي في "عصف الذهن" في تقديم "الأجوبة"، في اجتراح "الحلول"، وتقديم "الوصفات".
نحتاج جهدا مضنيا في تقديم نماذح لخارطات الطريق، افكار عملية في المقاومة، في مواجهة الضعف، في إعادة التأهيل النفسي، في إدارة الحرب النفسية، في بدائل المقاومة، في مواجهة حرب الإعلام، في اختراق منظومة المال والأعمال من أجل إقناع بعضها بأن دعم مقاومة الإنقلاب أصلح لهم وللبلد من ممالاة الانقلاب أو الخضوع لإرهابه.
نحتاج مقاربات عملية للتعامل مع الدولة العميقة، مع القوى الصلبة....
نحتاج مقاربات عملية لاستنهاض الأحزاب وتقديم مشاريع إعادة بناء أو تجديد أو تشبيب.
نحتاج رؤى ومشاريع لتقديم بدائل جديدة يقودها الشباب تفرض تغييرا في المجال السياسي.
نحتاج مشاريع عملية ومقاربات وسيناريوهات اليوم التالي.
مجالات عديدة و مستويات عديدة تحتاج جهدا نظريا كبيرا لتقديم حلول و مقترحات و مبادرات و مشاريع.
كيف نحول الساحة من ساحة صياح وعويل وأنين، وهجاء وتنبير وتعريض، إلى ساحة مشاريع وافكار ووعود وآمال ... عمل ينطلق من إحياء القلوب وإعادة تشكيل العقول، إلى عمل الجوارح والميادين والشوارع، والورشات وحلقات التفكير والدوائر المستديرة والحوارات، وبودكاسات التفكير والاقتراح لا التحليل والسرد التاريخي.
المهم ان ننشغل بالعمل ... من يرى الحلول يجب ان تكون عميقة وقد تحتاج سنين وعقود، عليه أن يكتب أو يتكلم ويفصل رأيه ويقدم خارطة طريقه ... ومن يرى المطلوب دون ذلك ولكن يحتاج سنوات ليقدم خارطة طريقه ... ومن يراها أيسر من ذلك أو أوجب الآن ليقدم لنا اطروحته ....
يجب ان يكون أمام كل منا سؤال واحد:
مالعمل؟
وكيفما كانت وجهة نظره في الجواب على السؤال ستكون خيرا ....
هكذا فقط نتقدم ... لا تقدم بدون عمل ...
وقل ... اعملوا
تاريخ أول نشر 2025/8/9