هل يمكن أن تتحوّل "العملية العسكرية" الحالية في سوريا وسقوط الدكتاتورية إلى "ثورة"؟
وتنجح؟
وتتجنّب مصير "ثورات" تونس ومصر وليبيا واليمن؟؟؟
نعم ممكن.. ووارد جدا.
لماذا؟
في مصر كان من المستحيل أن تنجح ثورة لا ظهير لها إقليميا ودوليا أمام تحالف إجرامي مكوّن من قوتين مجرمتين كبيرتين قّررتا وأدها بأي ثمن: الجيش المصري صاحب التاريخ الطويل من الهيمنة على السياسة والاقتصاد إلى حد أنه أصبح المالك الحصري لمقدّرات الدولة والمجتمع في مصر.
والكيان الصهيوني الذي اخترق تماما الدولة المصرية/الجيش.
لذلك لم يستغرق القضاء على الثورة أكثر من سنتين.
في اليمن أيضا كان من المستحيل أن تنجح ثورة محاصرة بين ثلاث قوى استعمارية إقليمية تمثل مشاريع تعصّب أو/و تمذهب بدائي، أو مشروعا تجاريا عالميا لا يعترف لا بحدود ولا بأخلاق: السعودية وإيران والإمارات/الكيان الصهيوني. لذلك تكفّلت السعودية باحتواء الثورة في البداية ومحاصرتها قبل أن تخسر مكاسبها لصالح تدخل إيراني عسكري عبر الحوثيين ولصالح الإمارات/الكيان التي احتلت جزيرة سقطرى وكثيرا من الموانئ اليمنية وهيمنت على القرار السياسي في الجنوب.
لذلك فشلت الثورة اليمنية العزلاء.. ولم تستطع الصمود أمام توحش المشاريع الاستعمارية التي حاصرتها.
في ليبيا أيضا كان من المستحيل أن تنجح ثورة. ليبيا مجال جغرافي استثماري طاقي عالمي لا يمكن أن تفرّط فيه شركات النفط العالمية وأن تسمح بقيام نظام وطني مستقل عن الغرب وسيد على ثرواته. فضلا عن أنها مجتمع شبه أمي في عمومه بفعل سياسة التجهيل/التصحير التعليمي التي اعتمدها البائس القذافي لمدة أربعين عاما، فكان من غير المتوقع أن تنجح نخبه في المناورة السياسية أمام أجندات استعمارية عالمية تراهن على بقاء ليبيا مجالا اقتصاديا تابعا بالكامل لها.
لذلك، الحقيقة لم تكن هناك ثورة أصلا في ليبيا حتى تنجح.
في تونس تحديدا كان يمكن أن تنجح الثورة. لأن تونس مجال سياسي يوجد على هامش الأجندات الاستعمارية الكبرى، ما عدا فرنسا المستعمر التقليدي المتراجع. ولأن المجتمع التونسي كان يُفترض أنه أسّس "مجتمع سياسة" بفضل عراقة العمل النقابي المسيّس والعمل الحقوقي والحزبي المعارض.
لكن ضراوة الحروب الايديولوجية التافهة التي اندلعت بين أحزاب وجماعات الانتقال وشغلتها عن تحصين الديمقراطية الجديدة مكّنت مشاريع الثورة المضادة من بلورة خططها الانقلابية على مهل مهلها لتتوصّل في الأخير إلى "صيغة انقلابية طريفة" تناسب مجتمعا ونخبة بلغا من الرثاثة ما لم يخطر ببال أشد المتشائمين من المؤرخين.
ففشلت الثورة.. وتحولت البلاد إلى "حالة شعبوية كاراكوزية فريدة".
في سوريا مجتمع مثقّف في عمومه. نخبه السياسية واسعة وعرفت كل تجارب الانقسام والحرب البينية بما يجعلها مؤهلة لعدم تكرار تجاربها.
حجم المآسي التي عاشها الشعب السوري في ظل نظام البعث والمخابرات الدموية والعائلة الفاسدة والدكتاتور الفرد وملايين القتلى والمشردين والمهجرين خلال السنوات الأخيرة يجعل السوريين أحرص على إبداع نموذج تاريخي للتعايش والتضامن والتآسي.
لكن العامل الأهم الذي قد يساعد في تحويل إسقاط نظام البعث إلى ثورة ناجحة هو توفّر "الشرط الدولي". هذا الشرط مبني على إرادة تركية صلبة في الاستثمار في المساعدة في بناء سوريا جديدة مستقرة توفر لتركيا الصاعدة جوارا إقليميا آمنا.
هذا المشروع التركي له ثمن حتما. بعضه ستقدمه لروسيا المضطرّة للانكفاء على نفسها بسبب النزيف الأوكراني، ولو إلى حين. وبعضه ستقدمه للكيان بأن تضمن له المساهمة في "نهاية زمن حزب الله" وصداع جنوب لبنان. وبعضه ستقدمه لإيران المدفوعة هي أيضا إلى الانكفاء والتنازل عن مشروع "الهلال الإيراني" ومساعدتها على "الانسحاب الآمن" من المنطقة والعودة إلى مجالها القومي الأصلي بأقل الخسائر.
هل يعني هذا أن سوريا ستصبح مستعمرة تركية؟
لا ومستحيل. ليس ذلك في صالح تركيا. ولكنها ستسفيد من سوريا ديمقراطية ومستقرة ومزدهرة.
هل يعني ذلك أن سوريا ستصبح حليفا للكيان؟
أجزم أن ذلك مستحيل أيضا. ستكون علاقة ذات خصوصية شبيهة بعلاقة تركيا الآن بالكيان.
علاقة يحكمها توازن قوة.. هش وصلب في نفس الوقت.
والله أعلم.
تاريخ أول نشر 2024/12/9