search

وثيقة: جون أفريك والتيار الإسلامي ... تعليق مجلة المعرفة التونسية على تحقيق جون أفريك

كنا قد نشرنا تحقيق مجلة جون أفريك في ثلاث حلقات كما نشرتها المجلة، وننشر في ما يلي تعليق مجلة المعرفة لسان حال التيار الاسلامي في تونس كما أسمته المجلة على التحقيق الصحفي الصادر في العدد رقم 5 السنة الخامسة بتاريخ 15 ماي (مايو) 1979 في الصفحات 9-10-11:

ثلاث حلقات خصصتها الزميلة «جون افريك» للحديث عن التيار الإسلامي في تونس بقلم الزميلة «سهير بلحسن»، وهذا الاعتناء أن دل على شيء فانما يدل على عمق الرؤية عند أصحاب المجلة، حيث تبين لهم أن إغفال الاتجاه الإسلامي في تحليل أو حديث عن التحولات الاجتماعية والفكرية في تونس لا يعطي صورة متكاملة للمرحلة التاريخية التي تمر بها بلادنا. إن التحرك بالإسلام ظاهرة موجودة بارزة حية ومتجددة. وفهمها ومحاولة تحديد معالمها ومقومات تفاعلها أفضل وأجدى من الإهمال أو التهديد والوعيد

ليست المرة الأولى التي تحدثت فيها الزميلة عن الإسلام في تونس، لقد سبق لها إثارة الموضوع بسطحية وارتجال. ولكن يبدو أن الظاهرة الإسلامية فرضت وجودها، وتكشف لأصحاب المجلة أن هذا الاتجاه الجديد ليس موضة موسمية، وإنما هو حركة تصاعدية آخذة في الالتحام مع التطور التاريخي للمجتمع التونسي، وأنه سيكون لها دور في تعديل المسار وتغيير البنية الاجتماعية ككل. عندها أخذت الزميلة الأمر بجد واتصلت بالأطراف المعنية وكنا من بين الذين وجهت لهم العديد من الأسئلة، وقامت بدراسة ميدانية، فزارت المساجد واستمعت للدروس واختلطت بالمتحجبات وحضرت بعض الأعراس وتصفحت النشريات الإسلامية وقرأت "المعرفة" ثم خرجت للناس بتحقيق استهلك ثلاث حلقات من مجلة عالمية لها وزنها ولها قراؤها في أقطار شتى.

لقد وفقت الزميلة في نقاط كثيرة، وتعثرت في نقاط أخرى، وصححت بعض الجوانب، ولكن بشكل عام تحرت الموضوعية والصدق والنقل وحددت بعض المعالم. ونحن إذ نشكر المجلة على هذه الالتفاتة – مع اعتقادنا أن ما قامت به الزميلة هو واجب تمليه المهنة الصحفية – نلاحظ أن هذه المحاولة أحدثت لدى الأوساط الإسلامية ردود فعل مختلفة أرجعناها - حسب رأينا - إلى أسباب ثلاث:

1-   كان في الاستطاعة الزميلة أن تتحرى شيئا ما في نقل بعض المعلومات. فقد بين لنا مثلا وكيل «دار الراية للنشر» أن حظ حسن البنا وسيد قطب من مطبوعات الدار لا يتجاوز عنوانين أو ثلاثة فقط من مجموع الستين عنوانا. بينما الزميلة قدمت الأمر بشكل معكوس قائلة "إن أغلب العروض لحسن البنا زعيم الإخوان المسلمين وسيد قطب خليفته" كانها بذلك تعزف على وتر الانتماء للإخوان من باب اللمز والإثارة.

كما أعلمنا فضيلة الشيخ محمد الصالح النيفر أن الصحيفة كذبت إذ ادعت أن إحدى بناته كانت حاضرة في اللقاء الذي لم يتم في بيته.

كذلك الإشارة الخبيثة – كما سماها الشيخ عبد الفتاح مورو – التي ربطته بالسعودية وهي التهمة التي انكرها في مناسبات عديدة (أنظر الحوار مع الشيخ) وغير ذلك من اللمزات. لو تحرت الزميلة في وضعها لسلم الملف من الثغرات.

2-  صادف من حيث التوقيت نشر تحقيقات أو إشارات حول نفس الظاهرة قامت بها صحف أخرى كجريدة «النهار العربي والدولي» أو مجلة "نوفيل أبسرفاتور" وغيرهما وضخم الاتجاه حتى أن أحد الصحفيين لم يجد حرجا أن يقارنه بثورة الإيران. وبدا واضحا - بالتلميح والتصريح -  تحريض السلطة وتهديدها بخطورة هذا الاتجاه. وهي سياسة تعلم أبعادها ودوافعها.

ونحن ندعو بالمناسبة إلى عدم الانسياق وراء هذا التلويح والنفخ والمبالغات الصحفية. فالاتجاه الإسلامي ليس مدفونا تحت الأرض حتى تغيب ملامحه ومواقفه وأصحابه أحياء، سلوكهم معلوم لدى الرأي العام، ومواقفهم دونتها مجلة «المعرفة» أو سجلتها الأشرطة المتداولة بين الناس. وكل نفس بما كسب رهينة. ولذلك فنحن لم نجد مبررا مقنعا يفسر هذه التخوفات والتحفظات والتهديدات. ولعلها نتيجة وهم وتأويل أعوج للأحداث والمواقف وتضخيم يراهين عليها من في قلوبهم مرض أولئك الذين يحز في نفوسهم أن يروا شباب الأمة للأسلام عادوا وأن يلحظوا وجه تونس وقد عاد لها أشراق دينها وصفاء شخصيتها وصلابة ذاتيتها.

كل محب للسلام وللإسلام وللتقدم والعدالة والحضارة لن يتمالك في أن يعانق هذا الاتجاه ويفتح له المجالات ويثبت أقدامه ليبني تونس الغد، تونس المسلمة.

3-   نخشى أن يرتسم في ذهن القارئ بعد اطلاعه على تحقيق الزميلة اللون السياسي للاتجاه الإسلامي، ويعتقد بأن هذا الاتجاه لا يعدو أن يكون تكتلا سياسيا يتحرك بشعارات إسلامية.

نحن، ابتداء، لا ننكر الوجه السياسي لهذا الاتجاه، فهو ليس حركة صوفية ولا هو جمعية خيرية لمساعدة الأيتام. إنه اتجاه معبر عن الإسلام في شموليته. ولكن تقديمنا كتكتل سياسي يناقض تحليلنا للأمور. فنحن نولي اهتماما كبيرا للجوانب الثقافية والعقائدية والاجتماعية باعتبارها الإطار الذي تتمخض فيه كل تجربة سياسية واقتصادية.

وبناء على ذلك نكثف جهودنا وندعو المثقفين والمخلصين لنحت البناء الثقافي والاجتماعي في الأمة بتأصيل شخصيتنا والقضاء على الازدواجية في اللغة والحضارة والتصور وتعميق استقلالنا الثقافي لتتولد فينا الإرادة الحضارية التي بدونها لن يتحقق أي تقدم بناء. فنوفر بهذا المجهود مناخا سليما للتجربة السياسية والاقتصادية التي نصر إن تكون هي أيضا أصيلة من حيث المنطلق والأهداف.

لأجل هذا نرفض أن نكون اتجاها سياسيا يتسلق جدار السلطة ليستهلك «أفيون» التحكم في الرقاب.

هذه ملاحظاتنا حول التحقيق سقناها حتى لا يلتبس الأمر لدى القراء وحتى نساعد كل مهتم بقضيتنا على فهم حقيقتنا وحقيقة ما نعمل إليه فيتمكن بذلك من الحكم لنا أو علينا انطلاقا من ممارساتنا لا من خلال إشاعات أو تهم نسجها خيال مريض حولنا.

ورد علينا من الأستاذ حسن الغضباني الرد التالي:

إن التحقيق الذي أوردته مجلة «جون افريك» المتعلق بالعمل الإسلامي على أهميته لم يكن معبرا عن حقيقة ما يجري على أرض الواقع، لأنه اعتنى بالاشخاص أكثر مما اعتنى بالدعوة والمباديء ويظهر هذا من خلال تركيز صاحبة التحقيق (المجلة) على إبراز بعض الاشخاص إبرازا  يتنافى وطبيعة العمل الإسلامي. وكان الأجدر أن تتحدث عن الأفكار والمواقف المعبرة عن خصائص ومقومات هذا العمل الذي قالت المجلة أنه ليس من المنطق أن يتغافل عنه عاقل أو يتجاهله. وأريد أن أؤكد أن الأشخاص مهما برزوا فإنهم زائلون والعمل يبقى.

وبخصوص الإشارة إلى وجود تيارين على مستوى الوعي والفهم السياسي، فإنه يدل على عدم فهم صاحبة المقال لما سمعته من طرفي ومن طرف الشيخ عبد الفتاح.

وتوضيح ذلك يكون كالتالي: إن ما نسبته المجلة إلى الأخ عبد الفتاح من قبولة بنوع من الديمقراطية الغربية في الظرف الراهن لأن ذلك يفيد الاسلام، أنا أيضا أقبل في الظرف الراهن. ولكن ما أردت أن أقوله إلى المجلة والذي اعتبرته تيارا ثانيا، هو الصورة النهائية التي ينبغي أن يكون عليها المجتمع المسلم، وهي سلطة الإسلام على الحاكم والمحكوم، ولا سلطان هناك لغير الله ودينه وكتابه ورسوله. هذا لأن نظام تعدد الاحزاب يعني الصراع بين أنماط من الفكر البشري وهذا جائز في دولة لائكية، أما في دولة إسلامية فغير منطقي وغير مقبول محادة الشرع الإلاهي باسم الحرية والديمقراطية وتعدد الأحزاب.

أما بخصوص إمكانية الترشح إلى رئاسة الجمهورية بعد أربع عشر سنة، فإنها سيقت في التحقيق كمثل من أراد أن يسوق الأية من سورة الماعون فقال ويل للمصلين وسكت، وحقيقة الأمر أن ذلك قيل في نفي شبهة الطموح إلى كرسي الحكم الذي يبعد عني دستوريا أربع عشرة سنة. 

تاريخ أول نشر 2025/11/4